حتى نكون أقرب للموضوعية لا بد من طرح السؤال: هل يسهم نشر الصحافة ونقدها لأحكام قضائية في تشويه صورة الوطن؟ نظرياً الجواب «لعم»، إلا أن عدم النشر لا يسهم في تحسين الصورة، بل يكرس جموداً في أوضاع. ولعل المتابع قد لاحظ أن النشر، مع ما اعتراه من أخطاء، أسهم في التصحيح بصورة أو بأخرى، كما وضع النشر المجتمع (والرأي العام) طرفاً في أمور تعنيه كان غائباً عنها سابقاً. من الماضي أتذكر أن بعض المسؤولين في الإعلام كانوا يحتجون ويغضبون على نشر أي نقد معتبر في صحافتنا... لماذا؟ لأنها تُقرأ في الخارج! غير مهتمين بأصل الموضوع وأسباب نشره والمتضررين من استمراره، والأصل من وجهة نظر العبد الفقير إلى ربه أن الإصلاح مقدم على تحسين الصورة، فهي ستكون نتيجة حتمية له، لكنها وحدها، مهما كان التجمّل فيها ودفن الأخطاء أو ما يعتقد بأنه خطأ تحت أطراف السجاد الفاخر، ستبقى صورة حسنة ظاهراً لكنها بالغة الهشاشة، من السهل شرخها من الخارج قبل الداخل. ودور الإعلام في الإصلاح معروف حتى لو كانت هناك أخطاء... أليس الإعلاميون بشراً أيضاً؟! لعل في «كارثة جدة» نموذجاً مهماً، وكيف أن عدم النشر عن أوضاع سلبية أو التضييق عليه - مهما كانت الحجة - أسهم إلى حد بعيد في كبر حجم المأساة، بل جعل مواجهتها أكثر صعوبة وتشعباً. ويلاحظ هنا أن كتابات العدل كانت طرفاً في ما حدث لأهالي جدة. ولا شك أن لا مقارنة بتاتاً، حتى في مسألة تحسين أو تشويه الصورة خارجياً، بين صور مأساة جدة وضحاياها التي شاهدها العالم أجمع تقريباً، وبين ما كان يمكن الاستفادة من النشر عن خيوطها في حينه. ثم إننا لا بد أن نحرص على تحسين الصورة في الداخل أولاً، فهو الأهم، لا أظن أن هناك خلافاً على ذلك، والنشر الأمين الذي يكشف الأخطاء والقصور والنقص، هادفاً إلى تلافيها، حتماً سيسهم في تحسين الصورة، إضافة إلى مساعدته لصاحب القرار على الإحاطة بالقضايا من زوايا أخرى غير الرسمية، لا ينسى أن الأخيرة غالباً ما تقول إن كل شيء «تمام التمام». إن استقلال القضاء وعدم التدخل فيه من الإعلام أو غيره أساس لا يمكن التفريط فيه. وكما هو معلوم يستطيع القاضي عزل نفسه عن الإعلام، وفي المقابل يجب على الإعلاميين التدقيق أكثر فأكثر في ما ينشرونه وهذا لن يتحقق لهم ما دامت وزارة العدل لا تتقدم خطوة فيه، وهي تشبه إلى حد بعيد تعامل بعض وزراء مع الصحافة مثلما قرأت وسمعت عن مؤتمر الدقيقة الواحدة الذي عقده وزيرا الاتصالات والشؤون الاجتماعية «لتصوير التوقيع»، أو «العصبية» التي شابت مؤتمر وزير الزراعة الأخير. وإضافة الى كل ما سبق، لو كانت لدينا هيئة صحافة حقيقية لتحسّنت أمور كثيرة. www.asuwayed.com