استضافت القاهرة أمس جولة الحوار الإستراتيجي بين مصر وأميركا برئاسة وزيري خارجية البلدين سامح شكري وجون كيري، ومشاركة مسؤولين كبار بينهم قادة عسكريون، واتفق الطرفان على مضاعفة جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، وتعزيز التعاون العسكري بين البلدين. ورغم عبارات الإطراء التي عبر بها الوزيران عن عمق العلاقات بين بلديهما، إلا أن التباينات ظهرت جلية في رؤيتهما لقضايا خلافية، أبرزها ملفات حقوق الإنسان والحريات والتعامل مع جماعة «الإخوان المسلمين»، إذ ألح الوزير كيري مراراً على ضرورة «شمولية العملية السياسية»، ملمحاً إلى الجماعة المصنفة «إرهابية» في مصر. واعتبر أن نجاح مكافحة الإرهاب يتوقف إلى حد كبير على «بناء الثقة بين الشعب والسلطات»، أما الوزير شكري فتحدث عن الاتفاق على «مراجعة أوجه العلاقات الثنائية»، مشدداً على النأي بها عن «الشروط» التي سادت في فترات سابقة. وبدأ الحوار الإستراتيجي بين البلدين، الذي توقف لأكثر من عقد، بجلسة عامة شارك فيها وفدا البلدين، قبل أن تعقد جلسات منفصلة للمسؤولين المعنيين بكل ملف، عُرضت نتائجها على غداء عمل ضم الوفدين. واختتم الحوار بمؤتمر صحافي لوزيري الخارجية. وافتتح الوزير شكري الحوار بكلمة أكد فيها أن هذه الجولة «تؤسس لعلاقات جديدة بين البلدين»، لافتاً إلى أن «انعقاد الحوار الإستراتيجي يمثل فرصة جادة للطرفين لمراجعة الجوانب المختلفة للعلاقات سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتقييم العلاقة في مجمل مناحيها... بما فيها مجالات التباين في المواقف». وأكد أهمية العمل ب «فكر جديد» يستهدف «تضييق مساحات عدم التطابق والبناء على القواسم المشتركة «. ورأى ان «الأسلوب الأمثل لدعم العلاقات الاقتصادية يتطلب إدارتها بفكر جديد يستند إلى مفاهيم الشراكة الحقيقية القائمة على تحقيق المصالح المشتركة والابتعاد عن أسلوب فرض الشروط». وأسهب شكري في الحديث عن رؤية بلاده لحل الأزمات التي تضرب الإقليم، وكيفية مواجهة الإرهاب. وأكد وزير الخارجية الأميركي أهمية مصر في المنطقة ومركزية العلاقات المصرية الأميركية، مشدداً على ضرورة «البدء في إعادة بناء عناصر العلاقات المصرية الأميركية». وأضاف أن «مصر دفعت ثمناً كبيراً لمكافحة التطرف» ولفت الى «خطورة الوضع على الحدود مع ليبيا وما تمثله داعش من خطر كبير على أمن المنطقة». وأشار إلى الدعم الأمني والعسكري الذي تقدمه بلاده لمصر، وتسليمها طائرات «أف 16» و»أباتشي» وعربات مصفحة ومعدات عسكرية عدة أخرى. وقال: «سنواصل تقديم الدعم والتدريب للعسكريين لدفع القدرات من أجل تحقيق الأهداف القصوى للقوات العسكرية». وشدد كيري على أهمية «إقناع الشباب ومنعهم من التحول إلى العنف والتطرف. النجاح في نبذ ورفض العنف في المجتمع يبدأ من بناء الثقة بين السلطات والشعب. هناك أهمية كبرى لمحاولة إيجاد طريقة للتعبير عن الآراء في شكل سلمي وحر في إطار عملية ديموقراطية حرة»، موضحاً أن «العلاقات بين البلدين قائمة على الفرص وليس التهديدات على الإطلاق». وقال وزير الخارجية المصري في المؤتمر الصحافي الختامي المشترك مع نظيره الأميركي إن «الحوار ساهم في مراجعة العلاقات الثنائية وطرح أفكار جديدة تحدد مسار العلاقات مستقبلاً بخاصة في المجالات العسكرية والأمنية». وأضاف: «تناولنا الاهتمام المشترك بقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان، حيث أكدت حرص مصر على هذه القضايا، والعمل على مراعاة الأبعاد المختلفة المرتبطة بحقوق الإنسان سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. ندرك أن أياً من دول العالم لم تصل حتى الآن للمستوى المثالي لممارسات حقوق الإنسان وحالات الإخفاق ماثلة للجميع». وأوضح: «اتفقنا على ضرورة مضاعفة الجهد الخاص بمكافحة الإرهاب والتطرف والعمل على توسيع التعاون الثنائي المشترك لمواجهة التنظيمات الإرهابية»، لافتاً إلى الاتفاق على عقد الحوار الإستراتيجي في شكل مؤسسي كل عامين. وقال كيري ان «المناقشات تناولت التحديات الخاصة بمواجهة العنف والتطرف، فعند محاولة بناء عملية سياسية يجب أن تكون عملية شاملة وأن نمنح المواطنين الفرصة لبناء دولتهم وأمتهم»، مضيفاً ان «الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين ويهاجمون العسكريين المصريين يجب مناهضتهم ووقفهم. ولكن هناك تمييز بين أولئك الذين يستخدمون العنف من أجل تحقيق غاياتهم وبين أولئك الذين يحاولون المشاركة سلمياً في الحوار السياسي حتى وإن كانوا في بعض الأحيان يقولون أشياء قد لا تريح بعضهم»، في إشارة إلى جماعة «الإخوان المسلمين». وقال: «عندما يشعر الناس بالضغط وينكر عليهم حقهم في التعبير، فإن هذا يؤدي إلى استخدام العنف والتطرف. ولفت الوزير شكري الى أهمية تحقيق الموازنة بين حق الناس في التعبير عن آرائهم في شكل سلمي والمشاركة في العملية السياسية وبين عملية استخدام العنف وما يطلق عليه العمليات الإرهابية، وأضاف «إن نجاحنا في حربنا ضد الإرهاب قائم على بناء الثقة بين السلطات والشعب. وطالما كان هناك غياب للثقة فسيكون هناك ازدياد للعنف والمزيد من الهجمات»، معرباً عن تطلعه لانتخابات ديموقراطية في مصر ودعم لحرية الصحافة وحرية التعبير. لكن الوزير المصري رأى أن «التعامل مع الإرهاب يجب أن يتم من منظور شامل، ولا بد أن نتعامل أيضاً مع القاعدة الأيديولوجية التي تستند إليها التنظيمات الإرهابية، بما فيها الإخوان المسلمون، فهي المصدر الذي انطلق منه هذا الفكر التكفيري، وتظل تشكل خطراً وتمارس الإرهاب وتعطي الذخيرة الفكرية لبقية المنظمات». الى ذلك، قال كيري إن «المزج بين الاندماج الاقتصادي والتعاون الأمني يساعد البلدان على استعادة علاقات قوية كما كان تاريخ تلك العلاقات»، مشيراً الى «ازدياد نشاطات التعاون العسكري بين البلدين، بما فيها نقل الكثير من المعدات التي تساعد في مواجهة الإرهاب إلى مصر، وتدريب القوات المصرية». لكن الوزير كيري لم يغفل الحديث عن «قلق أميركي تجاه بعض التحديات المتعلقة بحقوق الإنسان وحمايتها وعمليات التحول، حتى في ظل كون مصر جزءاً من حرب ضروس ضد الإرهاب». ونوّه شكري ب «الأجواء الإيجابية التي سادت المحادثات». وقال: «لا يمكن أن توصف العلاقة بأنها تشهد خلافات كبرى، ولكن هذا لا ينفي وجود تباين في وجهات النظر حول عدد من الموضوعات. وهذا طبيعي» مشيراً الى ان «بعض الشروط في الماضي كانت نتاج تفاعلات على مستوى دوائر صنع القرار في الولاياتالمتحدة، ولكن مصر لم تتعامل مع هذه الشروط في أي مرحلة». وعما إذا كانت واشنطن ترى أن القاهرة حققت التوازن المطلوب بين حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، قال كيري: «مصر تحاول تحقيق هذا التوازن، والإجابة عن هذا السؤال ستظهر خلال الأشهر المقبلة وبعد انتهاء الانتخابات» ولفت الى ان «مصر على دراية كاملة بما يثير قلق الولاياتالمتحدة والكونغرس، ولكنني على ثقة كاملة بأن وزير الخارجية يتفهم هذا التحدي، والدليل على هذا الأمر سيكون وشيكاً». ونفى الوزير سامح شكري حبس صحافيين بسبب ممارسة عملهم.