إتقان2 تهيئ للاختبارات    افتتاح قاعة تدريبية لتدريب وتأهيل مصابي تصلب المتعدد    «سلمان للإغاثة» ينتزع 1.375 لغمًا عبر مشروع "مسام" في اليمن خلال أسبوع    كلاسيكو ساخن بنصف نهائي السوبر    وزير الداخلية يلتقي أمير نجران ونائبه ويطلع على المبادرات التنموية التي تشرف عليها الإمارة    بحضور نائب أمير عسير.. تكريم أصحاب المتاحف بالمنطقة    «نايف الراجحي الاستثمارية» و«مسكان» تطلقان شركة «ارال» لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    فيصل بن مشعل يكرم 18 فائزا وفائزة بجائزة التربية الخاصة في تعليم القصيم    الهلال يقتحم قائمة أبطال لا يعرفون الهزيمة    مجزرة جديدة في رفح.. سقوط عشرات القتلى والجرحى بقصف إسرائيلي    "التأمينات الاجتماعية" تُطلق آلية تسجيل العمل المرن المطورة    الأمم المتحدة تدين الغارات الجوية الإسرائيلية على مخيم في رفح وتدعو إسرائيل إلى وقف عملياتها    سمو محافظ الخرج يكرم متدربي الكلية التقنية بالمحافظة الحاصلين على الميدالية البرونزية بالمعرض السعودي للإختراع والابتكار التقني    100 لوحة في معرض تعابير    العسومي يرحب بالاعتراف الرسمي لإسبانيا والنرويج وإيرلندا بالدولة الفلسطينية    القتل لإرهابي بايع تنظيماً واستهدف رجل أمن    اختتام مشاركة جمعية إنسان في المعرض الدولي للقطاع غير الربحي IENA    نائب أمير الشرقية يستقبل أمير الفوج الاربعون بمحافظة بقيق    ضبط 10 آلاف سلعة غذائية منتهية الصلاحية بعسير    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء لجنة جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز    النفط يعاود الارتفاع والذهب مستقر    7 اتفاقيات لتحسين جودة مشاريع الطرق في جميع المناطق    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    "كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة" تستعد لمرحلة «جامعة الدفاع الوطني»    القيادة تهنئ رئيس أذربيجان بذكرى استقلال بلاده    مخفية في شحنة قوالب خرسانية .. ضبط أكثر من 4.7 مليون قرص من الإمفيتامين المخدر    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    كاسترو يختار بديل لابورت أمام الهلال    محافظ طبرجل يفتتح مقر اللجنة الثقافية والفنون بالمحافظة    تطبيق تقنية (var) بجميع بطولات الاتحاد الآسيوي للأندية 2024-2025    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من وسط وشرق المملكة    السجن والغرامة لمن يتأخر عن الإبلاغ بمغادرة مستقدميه    تمنع "نسك" دخول غير المصرح لهم    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    تقدير الجميع لكم يعكس حجم التأثير الذي أحدثتموه في المجتمع    «الاستثمارات العامة» يطلق مجموعة نيو للفضاء «NSG»    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    صالات خاصة لاستقبال الحجاج عبر «طريق مكة»    «الصقور الخضر» يعودون للتحليق في «آسيا»    حلول مبتكرة لمرضى الهوس والاكتئاب    القاضي الرحيم يتعافى من سرطان البنكرياس    نائب وزير الخارجية يحضر حفل الاستقبال بمناسبة الذكرى السنوية ليوم إفريقيا    الاحتيال العقاري بين الوعي والترصد    مكتسبات «التعاون»    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الفيصل تُكرم الطلاب الفائزين في مسابقتَي «آيسف» و«آيتكس» وتشيد بمشاريع المعلمين والمعلمات    حفلات التخرج.. البذل والابتذال    باخرتان سعوديتان لإغاثة الشعبين الفلسطيني والسوداني    «مايكروسوفت» تترجم مقاطع الفيديو وتدبلجها    نعم.. ضغوطات سعودية !    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    ورحلت أمي الغالية    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    سكري الحمل    دراسة تكشف أسرار حياة الغربان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش فلسفة السقوط الإستراتيجي: إعترافات أوباما نموذجاً
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 2010

التغيير... تلك هي اللفظة المسحورة البديعة الخادعة التي تخلب وتستأثر ولا تدع مجالاً للخيار، ومنها ينطلق الساسة باعتبارها أفعل الألفاظ توظيفاً في كسب المعارك وبلوغ ذروة السلطة، لكنها أدناها معنى عند الذين يتفكرون في معطيات الواقع والذين يقيسون إمكانية التغيير بأهلية التغيير. فوسط أجواء يشوبها التوتر ويعايشها القلق وترسم بصمات التعاسة قسماتها على مستقبل العالم تجيء صيحات أوباما صادمة محبطة لكل يقين ومبددة لآمال أولئك الذين يراودهم حلم التغيير بتلك الكوميديا السوداء. فعلى غير توقع جاءت الحقائق أشد ضراوة من الأكاذيب وطرح أوباما كلمات روعت الأفق العربي ووضعته في مأزق المأزق وردّته خاسئاً أمام ذاته وعلمته مجدداً أن يعدل عن انتظار ما لا يجيء!
وإذا كانت الاعترافات تمثل فضيلة يفتقر إليها الواقع الإنساني العام، فإنها سياسياً تمثل خطيئة كبرى لأن الوسائل متعددة ما دامت الغايات صادقة، لكن حين تغلف تلك الغايات شكوك يكون التواجه بالعجز والانصياع واللجوء الى المسلك الهروبي تحللاً من جسامة المسؤولية الفائقة للقدرات الذاتية.
فها هي السياسة الأميركية تتوارى خجلاً وتتجه نحو منحى جديد مخالف لطبيعة تاريخها المعاصر حين تقرر الانسلاخ من قضية القضايا وترفع يدها إيذاناً بالفشل السياسي عن أهم قضية إستراتيجية على الصعيد الدولي، وهي الصراع المحتدم في الشرق الأوسط والداخل عقده السابع في إطار جولات تفعيله واستثماره على صعد شتى لدى صفوف الرؤساء الأميركيين، لكن أوباما آثر الحقيقة على أي شيء كأنه لم يكن يعرفها من قبل، وقد تجاوز عمرها عمره أو أنها كانت قضية مجهولة أو مجهلة أو أنها استحالت إلى طلاسم تحتاج إلى قرون عدة لفكّها، فكانت كلماته الهادئة واعترافاته العاصفة معلناً عن حال العجز والاستسلام إزاء ذلك الصراع التاريخي المستحكم في الشرق الأوسط، وأنه قد بالغ وضخم من قدراته وإمكاناته في التعامل معها وهوّن في الآن ذاته من تقدير صعوبات ذلك الصراع حين فاقت توقعاته وحدسه تلك الرؤى الممتدة للخبراء السياسيين والعسكريين والإستراتيجيين. واعتراف آخر بأن كل الجهود المبذولة للتعامل المبكر مع تلك القضية كانت موجهة عكس ما أريد لها أن تكون وبالطبع ينطوي ذلك على محاولة أوباما التحرر من إرادة الفاعل كأنما للكيان الإمبراطوري شخصية شيطانية طائشة تحرك جهوده وتدفعها نحو الأسوأ!
لكن المعضلة الحقة التي أكدها أوباما ضمن اعترافاته المثيرة للغضب والسخط والاستفزاز أيضاً، هي تلك العلاقة المستحيلة بين المشكلات ووسائل تفكيكها وحلها، إذ اعتبر أنه كلما سعى إلى حل مشكلة الشرق الأوسط اكتشف أنها تزداد صعوبة، وهو الشيء الذي لم يعرف بالضرورة من قبل، إذ إنه حتى في حالات الفشل السياسي والاستراتيجي تظل المشكلة كما هي كماً وكيفاً، لكن لا يمكن بحال أن يكون التدخل للحل هو مصدر المشكلة ذاتها إن لم تتحول إلى مشاكل عدة، ولا يعني ذلك بالضرورة إلا نفياً للوجود الفعلي للأفراد والحكومات والإمبراطوريات والتقليل من قيمة الفعل وعدم جدواه.
إن تولي أوباما مقاليد السلطة في أميركا إنما كان يمثل فتحاً جديداً لكل الذين يتوسمون أن تنتهج واشنطن نمط سياسات مغايراً لذلك الذي كان، لكن كانت الصفعة المدوية من ذلك الذي حاول أن يقر ميثاقاً سياسياً دولياً عادلاً يمحو من الذاكرة التاريخية أفعال أميركا وساديتها. ولعل تلك الاعترافات إنما تصل إلى مدى كبير تجاوز في طبيعته حد التناقض مع ذلك الميثاق الذي أكد أن أمن القضية الفلسطينية هو عنصر حيوي من عناصر الأمن القومي الأميركي، وأن محاولات الاعتداء على الإسلام ستتصدى لها الإمبراطورية الأميركية بكل طاقتها لأن احترام الأديان إنما هو محور الحوار الحضاري، ولعل ذلك كله لا يمثل دعوى للإفاضة في تحليل تلك الاعترافات الخطرة قدر ما يمثل ضرورة قصوى لطرح الكثير من التساؤلات الكاشفة لما وراء الاعترافات في كليتها، فمثلاً: أين تلاشت أطياف الطموح السياسي الراجعة إلى تغير الصور القاتمة لأميركا في العقل الإنساني المعاصر؟ على ماذا تعتمد كيمياء السياسة الأميركية إذا تراجعت أو اختفت مشكلة الشرق الأوسط من أجندتها وهي تمثل العنصر الحيوي فيها؟ وما هي الرسالة التبشيرية للإمبراطورية الأميركية، وقد قوضت ذاتها بالإعلان عن تخليها عن أخطر قضية سياسية في العالم؟ هل تستهدف الإمبراطورية الأميركية بسياستها تلك إطلاق يد الدولة اليهودية في المنطقة في شكل آخر أكثر دموية وعنفاً ووحشيه من ذي قبل؟ وهل يعني ذلك نفي المرجعية السياسية للإمبراطورية؟ وهل تكفي مثل هذه الاعترافات لأن تكون مبرراً قوياً وذريعة حادة تستند اليها الإمبراطورية في الانسحاب حتى من أدوارها السلبية؟ وماذا تجدي هذه الاعترافات إزاء القضايا المصيرية للشعوب؟ وهل يغني الاعتذار عن ضعف القدرة والإرادة عن المشاركة الفاعلة؟
إن أوباما الذي كان أشد إصراراً على قيام الدولة الفلسطينية وسرعة وقف المد الاستيطاني وسيادة قيم العدل والسلام وهي أقل الوعود المشروعة بالنسبة الى قضية استهلكت من الزمن والبشر الكثير والكثير، إلا أنه لم يستطع الصمود في وجه الدولة اليهودية المارقة، لا سيما وقد خفتت نبرة التحدي والكبرياء وعمت لغة السكون والصمت وغض الطرف، من ثم فإن ذلك كان يستوجب تقديم اعترافات أخرى تخلو من المغالطة وتتسم بالصدق والصراحة وتؤكد أن مصدرها ليس جهله المتعمد بحقيقة التشابكات الحادة في الصراع الشرق أوسطي، وإنما هو جهله الفعلي بإحكام قبضة خلايا الدولة اليهودية على مقدرات كثيرة ربما تودي بمستقبله كما أودت بغيره.
إن حالات التفاؤل والثقة التي خيمت على الساحة العربية منذ أن تقلد أوباما الحكم يجب أن تنقشع بل يجب أن تحدث استفاقه مضادة وانشقاقاً على الركب الأميركي وتقر مبدأ أن الحق العربي لا يسترد ولن يسترد بقوى خارجية مهما استطال الزمان، وأنه لا فرار من طرح ذلك السؤال المتعدد الأبعاد والذي يطارد العقل العربي المعاصر ويؤرقه بمفرداته الساخرة: من، ماذا، متى، أين، كيف، لماذا؟!.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.