من مآثر الأمس رحلة نحو البعيد نطوي معها بُعد الأيام .. نرسم ملامح التاريخ عبر هذه الآثار التي ما زالت تصارع وطأة الهدم و الإهمال..إنها الشواهد التي تثير شجن الأمكنة بل وتثير اختلاجات الزمن المكتظ بصراع لقمة العيش , قصتنا سنعيش تفاصيلها عبر بوابة ( ينبع ) التاريخية برفقة التربوي والأديب الأستاذ عواد محمود الصبحي رئيس لجنة إحياء التراث بمحافظة ينبع في هذه الجولة الشيقة بين أروقة حي الصور وسوق الليل وبيت البابطين , نلتقط أدق الصور من التراث الينبعاوي الممتد نحو منابع التأصيل والنشأة .. وإلى حيث سوق الليل الذي يقع بالقرب من ميناء ينبع التجاري كانت نقطة الانطلاق التي بدأ الأستاذ عواد الحديث معها عن لجنة أصدقاء التراث يقول: تأسست اللجنة بدعم وتشجيع من قبل رئيس بلدية ينبع الأسبق الدكتور عبد العزيز العمار ..كانت لدينا الرغبة في إنشاء لجنة تحمل مسمى لجنة أصدقاء التراث أسوة بأصدقاء المرضى وأصدقاء البيئة وغيره ..وبالفعل طلب العمار تشكيل اللجنة فشكلت عام 1423ه .. بدأنا نعقد الاجتماعات بحضور رئيس بلدية ينبع و قمنا بعمل خطة عمل متكاملة تضمنت بعض الأفكار الآنية والأخرى بعيدة المدى إلى أن تبلورت أولى الخطوات من خلال البدء في ترميم سوق الليل بعد أن وجدنا الجهة التي ستمول المشروع من قبل إدارة الهيئة الملكية بينبع وبالفعل تم اختيار 22 دكانا وكان الشرط الأساسي لمسئولي إدارة الهيئة الملكية الحصول على الموافقة من أصحاب الدكاكين خوفا من المشاكل التي قد تطرأ مستقبلا .. كان السؤال الذي يراودنا ترى هل سيمانع احد ونحن من سنقوم بترميم دكانه الذي يبدو مهدما أو محروقا هل سيسأل لماذا .. وهنا كانت أولى العوائق التي واجهتنا من جانب الورثة الذين أصبحوا يتهرّبون منا خوفا من المسئولية بالإضافة إلى أن معظمهم غير موجود في ينبع الأمر الذي جعلنا نضطر لتتبعهم والاتصال بهم وإقناعهم لكي يوافقوا .. عموما حصلنا على موافقة 22من ملاك وورثة هذه الدكاكين بعد جهد مضنٍ لننتقل إلى الخطوة التالية والمتمثلة في استخراج التصريح الرسمي ( كوشان ) والذي ولله الحمد حصلنا عليه من قبل البلدية كجهة مسئولة ثم بعد ذلك تمت الموافقة رسميا فبدأ تنفيذ المشروع من قبل الهيئة الملكية ممثلة في فريق متخصص في عملية ترميم دكاكين سوق الليل برعاية خاصة من مدير الهيئة الملكية بينبع سابقا المهندس عبدالعزيز الجويسر رحمه الله .. ومع دوران عجلة العمل تم إنهاء جزء كبير من المشروع إلا انه توقف بعد أن انتقل الجويسر من ينبع إلى الجبيل الأمر الذي دعانا لمخاطبة إدارة الهيئة الملكية مجددا لنوضح لهم أنه لم يتبق سوى 20% من العمل ولكن يبدو أن الظروف في تلك الفترة لم تكن تسمح باستكمال المشروع ..حينها لم يبق لدينا من الخيارات سوى هيئة السياحة والآثار خصوصا وأننا قد أصبحنا في موقف محرج مع أهالي ينبع .. وبالفعل قمنا بتجميع كامل أوراق المشروع من خطابات ومحاضر وتم إرسالها إلى الدكتور علي الغباني المسئول عن الآثار في هيئة السياحة والآثار والحقيقة أن الرجل بادر مشكورا بتعاونه الجميل حيث قام بإرسال فريق هندسي من الرياض لمعاينة المشروع ثم بعد ذلك قام بتكليف جهاز السياحة بمنطقة المدينةالمنورة رسميا لتوكيل أحد المقاولين لاستكمال ترميم السوق تحت إشراف لجنة أصدقاء التراث ولله الحمد تم استكمال تنفيذ المشروع وافتتح السوق قبل سنة بحضور أمير منطقة المدينة الأمير عبدالعزيز بن ماجد ورئيس هيئة السياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز وقد شهد السوق في حينه تشغيلا واقعيا بعد أن أدخلت الكهرباء إلى الدكاكين وتوافد الزوار والسياح ,ولعل الملفت أن المبيعات التي بيعت في السوق كانت تمثل نفس الأشياء التي كانت تباع قديما من الحوت الناشف والصرنباق والبصر والسمن والعسل ومستلزمات البحر الأمر الذي أضفى على المكان نكهة غلّفها عبق الماضي بمذاق خاص .. وأما عن سبب تسمية سوق الليل بهذا الاسم يقول الأستاذ عواد سوق الليل سوق قديم وقد عرف بهذا الاسم لان مرتادي البحر كانوا إذا ما همّوا للذهاب إلى رحلة صيد في الليل فإنهم لابد وأن يمروا على هذا السوق ليشتروا منه ما يحتاجونه من مستلزمات البحر أو من الزاد الذي سيعينهم على إكمال الرحلة إن كان تمرا أو أي شيء من هذا القبيل.وأما عن قصة ترميم بيت أحمد سنده رحمه الله والذي كان وكيلا لأمير ينبع فيذكر الأستاذ عواد الصبحي بأن البيت كانت أجزاؤه منهارة الأمر الذي دعانا لمخاطبة إحدى المكاتب الهندسية بإشراف من بلدية ينبع للقيام بترميمه إلا أن المكتب رفض بحجة ان البيت غير صالح للترميم فما كان مني إلا أن تحدثت مع رئيس البلدية موضحا له بأن البنائين القدامى في أتم الاستعداد للقيام بترميم هذا البيت بالطريقة التقليدية والتي تقوم على ترفيع الأسقف بالمرابيع للدور الأرضي ثم بعد ذلك يتم الانتقال إلى الدور الثاني ثم الذي يليه وهكذا .. وبالفعل وافق رئيس البلدية على البدء شريطة ضمان العمل وفقا لشروط السلامة العامة بعدها قمنا بإحضار البنائين القدامى عبدالله ابو دنقر وجبارة العلوني والريفي وآخرين ولله الحمد تم الانتهاء من عملية الترميم بعد عناء خصوصا وان الترميم بهذه الطريقة كان يتطلب توفير نفس المواد المستخدمة قديما ..مثلا لو كان هناك جذع مكسور فالمطلوب أن يستكمل التنفيذ بنفس الجذع وليس بالمربوع و هكذا إلى أن انتهينا من ترميم بيت أحمد سنده, ليظل هذا البيت شاهدا على الطراز المعماري القديم في ينبع والآن نحن في طور استكمال ترميم بيت البابطين وهو عبارة عن مدرسة قديمة و أيضا لدينا بعض الوكالات القديمة التي سنسعى لإكمال منظومة ترميمها هي وبقية الآثار في هذا الحي (حي الصور) الذي يمثل حدود ينبع قديما ..