يتساءل بعض القرّاء عن جدوى الكتابات الشخصية. ولسان حالهم: ماذا سيستفيد القارئ عندما يعلم -مثلاً- أن الكاتب، لديه مشكلة عائلية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو دراسية، أو...إلخ؟ وقد يقول بعضهم: إننا نريد كاتباً يعالج قضايانا ويناقش احتياجاتنا، ولا نقبل أن يتحدَّث الكاتب عن نفسه ومغامراته! يتناسى هؤلاء أن الكتابة الجيدة، تنطلق أحياناً من العام إلى الخاص، أو العكس، ولا ضير في ذلك البتة، فكلّنا في الهم سواء! ليس عيباً أن يتحدث الكاتب عن مشاكل أبناءه في التعليم؛ ليعقب ذلك بطرح علاجاً أو تصوراً لبعض المشاكل المرتبطة بالتعليم.. فالأهم أن يُقدِّم الكاتب فكرة حسنة يستفيد منها القارئ، أما كيف بدأ مقالته، وبماذا ختمها؛ فهذه مسألة ومنهجية تخصه. أتذكر أنني قلت ذات يوم لأحد زملاء الدراسة الجامعية عام 1414ه؛ إننا لا نستفيد من المحاضر الفلاني إلاّ قليلاً؛ لأنه يتحدَّث -أحياناً- عن المتغيرات التي مرّت بها مجتمعاتنا، أكثر من حديثه عن المادة العلمية التي يقدِّمها لنا، -بالرغم من إيماني أنه قد أعطى المادة حقها وزيادة-، ولكنه يستثمر جلوسه معنا؛ ليحكي لنا خبراته ومواقفه في الحياة، ولا أنسى أنه قال لنا ذات يوم، إننا كنّا في السابق نقطع مسافات طويلة في حرم جامعة الملك عبد العزيز بجدة؛ لقضاء الحاجة -أعزكم الله- وكنّا نستخدم وعاءً لنتطهر به، أما أنتم -وأشار لنا- فدورات المياه قريبة لكم، وهي متاحة في كل مرفق من مرافق الجامعة، ويكفي أنكم تريقون على مخرجاتكم البترولية، بواسطة السيفون، أكثر مما كنا نريق من الماء، ونحن نطهِّر أنفسنا من الخبائث. كان المحاضر يقول لنا: ألا يكفي أن تشكروا الله -سبحانه وتعالى- على هذه النعمة التي لا تديرون لها بالاً؟ أجل، كان المحاضر يحدثنا عن أمور كثيرة، وهو يقارن بحرفية بين الحياة في الماضي والحاضر، وكان أحياناً ينتصر -بموضوعية- للماضي البسيط، على الحاضر المتطور والمُعقَّد! كنّا نظّن أن المحاضر يقصد بحديثه تمضية الوقت، وعلمنا بعد حين أن أحاديثه كانت مقصودة، وهي أمور بقية في ذاكرتنا، بل استفدنا منها الكثير في حياتنا. بخصوص الكتابات الشخصية يتحدث الروائي الياباني الفائز بجائزة نوبل للآداب (كينزا بورو إوي)، -ضمن حوار مترجم أجراه معه (هاري كريسلر) ونشر في العدد الأول من مجلة الفيصل الأدبية، ص 86-، قائلاً: "إن أسلوب كتابتي الأساسي قد نشأ من مسائلي الشخصية، ثم تواصل مع المجتمع والدولة والعالم"، ويضيف: أظن أنني أؤدي عملي؛ كي أتواصل مع نفسي، مع أسرتي، مع المجتمع، مع كل الكون، وكي تتواصل نفسي مع أسرتي مع الكون. قد يكون ذلك أمراً سهلاً؛ لأن لديّ بعضاً من جماع أدب خفيّ النزعة. لذلك فإننا حين نكتب حول أسرتنا يمكننا أن نتواصل بأنفسنا مع الكون. لكنني أردت أن أتواصل بنفسي وأسرتي مع المجتمع، وحين نتواصل بأنفسنا مع المجتمع فإننا لا نكتب مسائل شخصية، لكننا نكتب رواية مستقلة". إن لم يقتنع القارئ بجدوى الكتابات الشخصية؛ فأنصحه أن لا يعمد لشراء رواية: "مسألة شخصية"، للروائي إوي؛ لأنها تناقش مسألة شخصية. [email protected]