قبل فترة كانت (فيلا) تحرير جريدة البلاد تبعد عن مطابعها حوالى مائتي متر عندما غادرها كل الزملاء العاملين معي في الطبعة الثانية وجلست وحدي في مكتبي أراجع بروفات الصفحات قبيل دخولها المطابع.. ليلة باردة انطفأت فيها انوار الشوارع المحيطة بمقر الجريدة وإذا بالباب ينفتح بقوة وتطل منه رأس ضخم ويتبعه جسم إنسان لا ينتهي وارتعدت لأول وهلة لهذا العملاق وكأنه (ديناصور) اقتحم مكتبي في هذا الظلام الدامس الذي لا يقطعه سوى حجرتي المضيئة في المنطقة كلها ودخل وراxه شاب باكستاني من جماعته.. قدمه لي.. انه (محمد خان) أطول رجل في العالم ويقارب طوله الثلاثة امتار وقف في منتصف الحجرة رأسه تلامس السقف.. وسألتهم لقد فجعتموني لماذا لم تأتوh بالنهار?.. فقال لي انه سيعود الى بلاده غداً وكان يود ان يزور جريدة البلاد التي سمع عنها في بلاده كثيراً ولم يسعفه الوقت واضطر للحضور سريعاً الآن.. ورحبت بهم واتصلت بزميلي المصور الذي حضر على الفور ليلتقط صورة نادرة لي معه.. محمد خان شاب باكستاني من قرية فقيرة جنوب شرق باكستان يعاني (الأمرين) من طوله.. فهو لا يستطيع ان يسير في الاسواق ولا يخرج للشارع إلا نادراً وكثيرا ما يسخر منه اطفال وشباب قريته فيظل حبيس منزله لا يغادره لا يستطيع أن يركب سيارة الا إذا فرد الكرسي بجوار السائق لتذهب راسه لنهاية السيارة فحكم عليه الزمن حتى ألا يرى الطريق حيث تظل رأسه معلقة في الخلف فلا ينظر الا لسقف السيارة وكأنه نائم ناهيك عن صعوبة دخوله وخروجه من اي سيارة.. قال وهو يكاد ان يبكي انه يعيش حياة تعيسة نعيمها الموت فلم يتمكن من استكمال تعليمه ويعيش على اعانات بعض المؤسسات الخيرية في بلاده ولا يستطيع احد ان يشاركه النوم في غرفة واحدة التي تفرش اربعة مراتب خاصة تفرش متلاصقة طول كل واحدة مترين × مترين فتأخذ حجم أرضية الغرفة كاملة ويجد صعوبة بالغة في النهوض. وبدا حزيناً وهو يحكي لي أنه لم يستطع الزواج بعد أن تقدم للكثير من الفتيات رفضن جميعاً الارتباط به.. أما عن كمية الطعام التي يتناولها فهو يأكل أكثر من الإنسان الطبيعي. وتعاطفت مع محمد الذي لم يجن في حياته سوى خلل في غدده جعلت منه مارداً عملاقاً.. ولم أنم تلك الليلة وفي الصباح اتصلت بوكيل احدى ماركات الملابس الجاهزة العالمية هل تأخذون محمد خان يعمل معكم كأفضل موديل اعلاني لكم ووعدني ان يتصل بالشركة الأم في اسبانيا ويعاود الاتصال مرة ثانية وشعرت بفرحة شديدة ان أفعل شيئاً لهذا المسكين.. وسافر محمد وتابعت مع الشركة واتصلت بمحمد خان بعد ثلاثة شهور لأجد ان محمد قد توفاه الله بعد أن ادى مناسك العمرة وعاد الى قريته.. إذ لم يتحمل قلبه الرقيق صفعات هذا الزمن الغادر.. رحم الله (محمد خان) الذي رحل عن عمر (28 عاماً).