شعر- محمد النفيعي كان أول نص قرأته لمحمد النفيعي ،زمن الصحافة الورقية،نص بعنوان(درفتين و شبابيك)،و برغم أنه نص عمودي كلاسيكي،و يتحرك ضمن الإطار العاطفي الوجداني،إلا أن مجازية اللغة في النص وكونيتها الرحبة في التصوير تمنح القارئ أفقا واسعا من التأويل والتخيُّل،حتى ليكاد النص ينتقل من فضائه الوجداني إلى فضاء الاستشراف والتنبؤ الشعري،وهذا هو الشعر (اللي محلّه يجي فيه)كما هو تعبير عافت في بيته: أردى الشعر قولٍ يجيك ف محله وأحلى الشعر قولٍ محلّه يجي فيه و نص النفيعي من النوع الثاني الذي يتفتح من خلال مطلعه ليكون قولا(محله يجي فيه).كيف هذا؟. الدار ما هي درفتين و شبابيك. هذه هي الدار الواقعية التي انطلق منها النص في فضائه الواقعي،دار ذات(درفتين و شبابيك)،غير أن الشاعر هنا ينفيها ليدخل في دارأخرى،دار مجازية تنفتح على أفق أوسع.. الدار صفحة نور و نجوم وافلاك! هنا ينفتح على المخيلة الفضاء التقني بأيقوناته:نجومه و أفلاكه،من خلال(صفحة النور)أو الشاشة المضيئة،حيث الناس: حيتان و اسماك..غابة تقنية أحسها مثل الكفوف المشابيك هي إذن..شبكة ضوئية تلتهم الأصابع التي توغل في هذا الفضاء الضوئي،و هو فضاء تقني أشبه بغابة بحرية تلتهم فيه الحيتان الأسماك الصغيرة. يمكن تأويلا القول إن هذا النص،في مطلعه ،يتعالق مع زمن جديد غير زمن النص،هو زمن التقنية بدءا بالمنتديات و ليس انتهاء بمواقع التواصل الالكتروني. هذا التعالق لم يكن ليتاح للقراءة لو لم يستند الشاعر على اللغة المجازية الكونية،لو أنه – مثلا – صاغ أبياته ببكاء على الرجم/الجبل،أو استند إلى اللغة المباشرة التي لا تفضي إلا إلى زمنها،و هنا تكمن طاقة اللغة المجازية التي تتسع لدلالات مستقبلية لقارئ مخبوء في أعماق النص،يظهر حتما حين يتيح له الزمن و النص معا الخروج إذ تتحقق بينهما علاقة التفاعل الإيجابي،و هي تلك العلاقة التي تنشأ عن عناق ظرفي بينهما،بحيث يحلّ الزمان الجديد في أعماق النص،و هو ما وصفه عافت بأحلى الشعر(اللي مكانه يجي فيه)،الشعر الاستشرافي ذو اللغة المجازية الرحبة. أخيرا،أذكر أني كتبت مثل هذه الرؤية،أو قريبا منها،حول هذا النص،في زمن المنتديات،و بيّنتُ أن النص يستجيب للتأويل وفق الشرط التقني المنتدياتي. اليوم أعود لهذه الرؤية مع إضافة تدخل مواقع التواصل في صيغتها الجديدة التي فعلا: أحسها مثل الكفوف المشابيك كما أن الناس صاروا فعلا:(حيتان و اسماك)!! أظن أني لست في حاجة إلى القول إن كل قارئ في زمن التواصل الاجتماعي يردد مع محمد النفيعي – رحمه الله – هذين البيتين خصوصا أنهما يحيلان إلى الفضاء الأزرق من خلال أيقونة البحر..البحر الذي تجلى في رؤية الشاعر أشبه بهذا الفضاء التقني بحيتانه و أسماكه. يغادر الشاعر بعد ذلك هذه المقدمة التي يصح وصفها بالاستشرافية إلى فضاء النص الوجداني في ثنائيات بديعة تتناغم مع فضاء الكون الرحب،مع التعبير عن وجدانه بمعجم شعري ينتمي للمذهب الرومانسي و هومذهب يعبّر عن الإنسان بأدوات الوجود الكونية،كالسماء والسحاب والقمر والشفق، أدوات الشعور الوجدانية كالوطن والمنفى،والغناء والإيقاع، والظمأ والشوق،إلى آخر هذا المعجم الشعري المزدوج بين فضاء الكون و فضاء الذات الشاعرة. الدور ماهي درفتين وشبابيك الدور صفحة نور ونجوم وأفلاك احسّها مثل الكفوف المشابيك مثل البحر والناس حيتان واسماك واخترت امدّ حبال صوتي واناديك يالواضح المجهول يالواثق الشاك! الله يامسهل وماصعب معانيك الله مامرّك على القلب واحلاك يامانشزت ودوزنتني اغانيك ياما زعلت وكان يرضيني رضاك قبل المدينه مدّنتني صحاريك قبل البداوه بدونتّني سجاياك هذا القمر ولاّ اول اوّل تجلّيك هذا الشفق ولاّ كفوفك وحنّاك؟! قلت:الغرق،واستدّركتني موانيك قلت:الضياع،وقدّت الروح ظلماك! مالي وطن ياكود داخل منافيك مالي سما خارج شمالك ويمناك سمعي/فمي،سيرتك غابة مساويك دمعي/دمي،مابين وصلك وفرقاك والحاضر احلى بس ياحلو ماضيك البال ياضيقه وياوسع ذكراك تفداك عينٍ ماتلد النظر فيك ويفداك قلبٍ مايشوف العطش ماك قلبك/دليلك،كل دربٍ يوديك الشوق زادك والنوايا مطاياك صب السحاب وبلّل شفاه ظاميك وان قلت:قربك طالبه منك قل:جاك والوزن وزنك والقوافي قوافيك ولاّ القصايد قاصره دون معناك!