بعض الأعراف القبلية التي تسير في خط مواز للقيم الإسلامية النبيلة ولا تتقاطع مع مبادئ الإنسانية العامة كإكرام الضيف والإجارة ونحوها لا مجال في هذه الأسطر للانتقاص منها أو التقليل من قيمتها ودورها ، لذا سنتجه إلي ما يقلقنا فقط وهي الأعراف السلبية فقط ، خاصة ما يرتكز منها على تضخيم الذات وانتقاص الآخر ، فمثل هذه الأعراف تعد من ألد أعداء المواطنة ومبدأ الانسجام داخل أي مجتمع وعلى الأخص المجتمع العشائري كالمجتمع السعودي ، ومكمن خطورة كل عرف من هذا النوع نجده في تعريف عالم النفس زجلر له والذي يقول بأنه كل (عمل أو مجموعة أعمال محدودة تواضع أفراد المجتمع عليها تحت ضغط ظرفي ما ، ثم ما لبثت أن نمت في أوساطهم على مر السنين حتى بات انتهاكها تعدياً على الآداب ، واتباعها من صميم الفضيلة ) ، ولأننا قد استثنينا الإيجابي من حديثنا هنا .. فلم يعد أمامنا سوى إسقاط دلالة هذا التعريف على السلبي منها والذي يؤكد على أن هذه الأعمال أو القواعد لا تستمد خطورتها من حيث كونها مجرد عادات عشائرية غير محمودة وحسب ، بل في مدى تجذرها لأعمق مدى في الوعي الجمعي أيضاً ، الأمر الذي يجعل من تحييدها وتسليط الضوء عليها نقداً وتحليلاً في غاية الخطورة ، كون غالبية تلك الأعراف في نظر أصحابها جزء من هيكل الجماعة الشمولي ، وقاعدة مهمة من قواعد بنيتها وتماسكها ، وأي تهاون في حمايتها من وجهة نظر أفراد هذه الجماعة أو تلك القبيلة يعد نذير شؤم على الهوية برمتها وخرماً فاضحاً لن ينج منه أي فرد من أفراد القبيلة مستقبلاً ، هكذا يتصورون لا سيما في نظر القبائل الأخرى !! وكأن جميع القبائل إنما وجدت فقط لتراقب بعضها بعضاً !! أو كأنما ليس لإحداها من هم سوى تتبع الزلة على الأخرى !! مع أن الواقع الآن يقول غير ذلك خاصة مع تزايد انشغال الناس وانعزالهم حتى عن أقاربهم ، لكنه هاجس التضخيم الذاتي الذي لم يزل يصور للبعض أنه في دائرة الاهتمام دون غيره من الناس ، ولعل أبرز الأمثلة على تلكم الأعراف البالية ، ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً تحت وسم مريب يفيد بأن شاباً من إحدى القبائل سيتزوج من فتاة تنتمي لقبيلة أخرى في لغة تهكمية ومستهجنة تدعو للوقوف في وجه هذا الارتباط ومنعه ولو بالقوة ، لقد كان وسماً مشحوناً حتى الثمالة بالعنصرية والعصبيات القبلية ونعرات الأنا والذاتوية المفرطة للدرجة التي جعلتني حينها أتساءل في أي عصر يطل هذا الوسم ؟ وعن أي حقبة تاريخية يتحدث ؟ وللأسف ..كان مرد كل هذا الإسفاف أن كلاً من هاتين القبيلتين ترى حسب أعرافها وموروثاتها أنها أعلى شأناً من الأخرى. المثال السابق وما صحبه من تداعيات ترك دلالات واضحة لا تقبل التأويل أن كثيراً من أعراف القبائل لم تزل تحتل مساحات كبيرة في تفكير بعضنا ، رغم ما شهدته بلادنا من قفزات مهمة في محاربة الجهل ، حيث يكفينا فخراً أن السعودية اليوم تعد واحدة من أسرع البلدان في العالم تقليصاً للأمية كما أشارت بذلك الإحصاءات الأخيرة التي أكدت انخفاضها إلي ما دون 4% بحسب جريدة الرياض ، لكن فيما يبدو أن تعلم المجتمع واكتسابه مهارة القراءة لم يكن لها ذلك الدور المأمول في تحييد سقم العصبيات القبلية رغم إدراك كل ذي لب لخطورتها على وحدة المجتمع وسلامة نسيجه ، ما يحتم علينا الوقوف جلياً أمام هذا الدور ومساءلته بجدية عن مدى تعاطيه لهذا الملف الاجتماعي المقلق !! كما لا نستثني من المساءلة الإعلام الذي لم نر له أي تحرك حاسم باتجاه بعض القنوات الفضائية ذات الصبغة الشعبية ، والتي لا يمكن تبرئتها عما يحدث من تنامي متلاحق لهاجس الأنا القبلية المتضخمة في عصرنا الحالي . لقد آن الأون لتنصهر كل انتماءاتنا وأعرافنا وعاداتنا في قالب واحد يجمعنا كلنا دونما تفريق أو تمايز .. وهو قالب الوطن .. ولا شيء غير الوطن.