للمرة الثالثة تمتد الأيادي الغادرة الخائنة وتتسلل متخفية تلك النفوس الشيطانية المليئة بالحقد والكراهية لتنفث سمومها وتبث أحقادها وانحرافها الفكري والنفسي والعقدي وترتكب ماهو أقوى من الجريمة في أقدس البقاع وأطهرها وهي بيوت الله الآمنة وتقتل الواقفين بين يدي الله وتطال هذه المرة أرواح جنودنا البواسل وقد أغمدوا أسلحتهم وأسلموا أنفسهم للوقوف بين يدي الله خاشعين مطمئنين. فأي فكر هذا الذي لا يقدر حرمة الأنفس والدماء ولا يعبأ بقدسية المساجد والصلاة وهيبة المصاحف والتلاوات ومحراب العابد والمعبود جل وعلا . إنهم ليسوا سوى أحفاد أبو لؤلوة المجوسي الذي قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قائماً يصلي بالناس في مسجد سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهُم على دربه سائرون يشتركون في نفس الوسيلة ويحملون نفس الهدف وهو إشاعة الفتنة في صفوف المسلمين ونشر الرعب والهلع بينهم. لقد شهد التاريخ ظهور العديد من الحركات الارهابية المتطرفة من داخل العالم الاسلامي وخارجه لكن أحدا منها لم يكن يجرؤ على استهداف المساجد ودُور العبادة بهذه الصورة البشعة وقتل المصلين وهم في أثناء الصلاة ومناجاة الرحمن ، إنهم ليسوا إلا أذناب للشيطان ودمى يحركها أصحاب المخططات الجهنمية التي تُعادي الإسلام وتستهدف المنهج الاسلامي المعتدل في عقر داره وهي المملكة العربية السعودية قلب العالم الاسلامي وصاحبة المنهج الوسطي والتجربة الرائدة في وأد الإرهاب وإفشال مخططاته ومواجهة التطرف والتصدي للانحراف الفكري والعقدي. أما لماذا هذه الجريمة في هذا الوقت بالتحديد ؟ وفي هذا المكان بالذات ؟ فإنه لا تفسير لها سوى الآتي : – الضربات المتلاحقة التي ألحقتها الأجهزة الأمنية بداعش ، ومن ثم الرغبة في الانتقام من رجال الأمن الأشداء البواسل الذي أذاقوا داعش وأذنابها الأمرين وتصدوا لمخططاتهم وأفشلوا الكثير من عملياتهم بسلسلة من العمليات الاستباقية الناجعة التي أحبطات أغلب مخططاتهم التفجيرية وأبطلت أحزمتهم الناسفة وكشفت عن عملائهم ومجرميهم وقضت على آمالهم في إثارة القلاقل والفوضى وإشاعة الفتنة والرعب في الشارع السعودي. بل إن تلك العمليات الاستباقية الناجحة أذهلت العالم بأسره وأصبحت دروس مجانية ومناهج دارسية لمراكز ومعاهد الأبحاث العالمية. – الرد على الانتصارات المتتالية التي تحققها قوي التحالف بقيادة السعودية في الجبهة الجنوبية ، وتشويه والتقليل من نجاح قواتنا الباسلة في التصدي لمخطط آخر لزعزعة الاستقرار في المملكة ، فالتياران الداعشي والحوثي وان تباعدت قواعدهما ومنطلقاتهما ، فإنهما يلتقيان عند نقطة واحدة وهدف محدد ومصلحة مشتركة هو تهديد أمن واستقرار بلاد الحرمين الشريفين، ومن ثم فإن أي تعثر يصيب أحدهما يشعل نار الغضب والخوف لدى التيار الآخر . -تهديد أمن المملكة وهي على مشارف موسم الحج لإيصال رسالة مُشوهة وكاذبة للعالم بأنه ليس هناك بلد آمن في العالم الاسلامي وفي القلب منه بلاد الحرمين لما لها من مكانة في الأمة باعتبارها قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ورمز وسطية العالم الإسلامي ، ومن ثم خلق بطولة وهمية لداعش توحي بقوتها ونفوذها المزعوم . – محاولة العبث بأمن المملكة واستقراراها باعتبارها الحصن الأكثر مناعة والدرع الواقي للأمتين العربية والإسلامية التي لم تتأثر بهذا الارهاب الاسود وبقيت بعيدة عن الأزمات الفتاكة التي شهدتها المنطقة ومخطط إثارة الفوضي التي طال أغلب دول الشرق الاوسط . لقد عجزت داعش ومثيلاتها من الحركات والتيارات العنيفة والمتطرفة عن إدراج المملكة ضمن خريطة مخطط إثارة الفوضى في المنطقة وشق الصف الوطني وإثارة الفرقة والنعرات الطائفية والعرقية والحزبية ، وذلك بفضل الله ثم بفضل وحدة الصف الوطني وتلاحم أبناء الوطن خلف قيادتهم الحكيمة، ووعي ومسئولية القيادة في تجاوز هذه المرحلة وتفويت الفرصة عن المتربصين بأمن الوطن واستقراره . – محاولة هدم المشروع الفكري والحضاري الذي تحمله المملكة بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –يحفظه الله-، والذي يسعى في الداخل إلى بناء الإنسان السعودي فكرياً وتنمويا وإطلاق مشاريع التنمية البشرية والاقتصادية العملاقة ، وخارجيا من خلال مبادراته للم شمل العالم العربي ووحدة الصف الاسلامي في مواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة للعبور لها إلى شاطئ الامان بعيداً عن العواصف الهوجاء التي تستهدف مقدرات الامة ومستقبلها وسلامة وأمن أبنائها ، وهو المنهج الذي يتعارض ويتضاد مع مشروع داعش الداعي إلى التدمير والتخريب والهدم وإثارة الفوضى . ولكن الأمر الذي لا جدال فيه أن كل مخططات داعش باءت وستبوء بالفشل بحول الله وقوته ، ولن تزيد هذه العملية بلادنا إلا تعبئة قوتها للمضي قدما في مواجهة هذه الفئة الباغية ودحر مخططها الإرهابي، ولن تزيد رجال أمننا البواسل إلا إصراراً على إنهاء هذه العصابة ومحوها من الوجود والتاريخ ، ولنا في تجربة المملكة في مواجهة إرهاب القاعدة خير مثال على قدرة المملكة على التعامل مع هذه العصابات ، حيث قدمت المملكة للعالم نموذجاً عبقرياً ورائداً في مواجهة الإرهاب بقيادة الغائب الحاضر سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، والذي وضع منهجاً شاملاً لمحاصرة التيارات المتطرفة والقضاء في المهد على خططها وإفشال عملياتها الميدانية والفكرية ، وهو الذي يرجع له الفضل بعد الله تعالى في تبني استراتيجية شاملة تعتمد المواجهة الفكرية والمناصحة بنفس درجة الإهتمام مع التعامل الأمني مع الخلايا الارهابية . وهو النهج الذي يستلهم منه سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد من نايف بن عبدالعزيز –يحفظه الله- فلسفته وأسلوبة في مواجهة داعش وذلك باعتماد عدة محاور ، أهمها الاجهاض بلا هواده على الخلايا النائمة قبل أن تتحرك لتنفيذ عمليتها من خلال عمل أمني متكامل وجبار، وكذلك من خلال المواجهة الفكرية الشاملة لمحاصرة الرؤوس الجهنمية التي تتلاعب بعقول الشباب والأطفال وتجري لهم عمليات غسيل مخ تجعلهم مغيبين عن الوعي والعقل ومجرد تروس في آلة قتل لا تدرك ماهيته ولا مسوغاته ، أما المحور الثالث في استراتيجية الأمير محمد بن نايف، فيتم من خلال المناصحة وإعادة التأهيل للشباب الذي سقط ضحية في براثن الأفكار المتطرفة . إن المملكة العربية السعودية ستقوم بالرد بكل حزم وشدة على تلك العصابة المجرمة وستلحقها بغيرها من الجماعات الارهابية المتطرفة التي سحقتها المملكة واستأصلت شأفتها، ولن تفلح تلك الاعمال الاجرامية في زعزعة أمن وإستقرار المملكة العربية السعودية والتي ستظل بإذن الله تعالى واحة للأمن والأمان وللعقيدة الاسلامية السمحاء والمنهج الاسلامي الوسطي. نُعزي أنفسنا والقيادة الرشيدة في شهداء الوطن –يرحمهم الله-، وعجل الله بشفاء المصابين وجميع مرضانا ومرضى المسلمين والمسلمات.. ختاماً أبتهل إلى الله القدير بالدعاء بأن يحفظ لنا المملكة العربية السعودية من كل سوء وشر ويجنبها الفتن، ويديم عليها نعمة الأمن والأمان والرخاء والاستقرار والازدهار ورغد العيش، وأسأله تعالى أن تتواصل مسيرة النماء والعطاء والرخاء والرفاهية بقيادة المليك الوالد القائد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –أعزه الله وأيده بنصره- وعضديه، صاحب السمو الملكي الأمير الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية– يحفظه الله-، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع – يحفظه الله-، وأن يحفظ سائر الدول العربية والإسلامية من كل شر وسوء ويديم الله نعمه ظاهرة وباطنة على كل مسلم ومسلمة. بقلم: الأمير محمد بن متعب بن ثنيان بن محمد آل سعود *باحث في مجال السياسة ومكافحة الإرهاب والجريمة