مضت خمسة عشر عاما منذ سمعت بكلمة "العمدة" في سياق رسمي وخارج مسلسلات الصَّعايدة الأصيلة، كان شرط الوظيفة أن يصادق العمدة على موافقة زوجي..! وأتذكّر أنّني قرأت الشّرط وشعرت بجهلي ثم سألت أهلي من يكون "العمدة" فانفرطوا ضاحكين كما توقّعت، واضطررت لقراءة الشّرط عليهم من بين سطور الورقة حتى أثبت لهم أني جادة..! عدت وسألت قسم التّوظيف فاشاروا علي بأن ختم الشرطة يكفي، وحصل لهم ذلك. وبالأمس لم يقل المصطلح غرابة ولا طرافة عنه حينها، عندما قلت لزوجي أنني لأستوفي شرط من شروط التسجيل كناخبة في الدّورة الثالثة من الانتخابات البلدية، سأذهب لتصديق عقد إيجار المنزل من "العمدة"، فانفرط ضاحكا وعلّق: "حتروحي للعمدة ولا شيخ الغفر".. الحاصل.. من خلال الصّديقات الفاعلات علمت بأن معلومات العمدة لكل حي متواجدة علي موقع الأمانة. فقمت بالبحث على الموقع وفعلا وجدت أسماءهم ومواقعهم وأرقام هواتفهم المحمولة. ولأن بعص الصّديقات الفاعلات أيضا أخبرنني بأنهن دخن السّبع دوخات حتى وجدن عمدتهن حيث أنهم غير متواجدين ودوامهم غير معروف أو محدد، فقد هممت بالإتصال على عمدة الحي الذي أسكنه لأتأكد من تواجده. كان ردّه أنه في إجازة وأنه علي الذّهاب لعمدة الحي المجاور! وعند اتِّصالي بالآخر أخبرني بأنه أيضا سوف يخرج لإجازته في اليوم التّالي وأنه علي أن انتظر عودته، فقاطعته قائلة: ولكن الأمر مستعجل فوقت تسجيل الناخبين محدود..! في تلك اللحظة رد: إن ذهبت للمكتب غدا فسوف أتصل عليك لتأتي. كانت المكالمة في غاية الغرابة. وفعلا وردني إتِّصال من "العمدة" ظهر اليوم التّالي، واتّجهت لقسم الشّرطة الذي يقع فيه مكتبه حسب معلومات موقع الأمانة ليتّضح هناك بأن العنوان خطأ وأن موقع الأمانة غير محدَّث..!!!! وصلت لمكتب العمدة في نهاية المطاف وكلّي فضول لأن أتعرَّف على آليَّة إثبات العمدة لعنوان سكني، والتِّي على أساسها سوف يتكرَّم واثِقاً ويصادق على عقد الإيجار. ما حدث بكل بساطة هو بالتّرتيب كالتالي: نظر العمدة الى اسم الحي في العقد ونقله في مستند خاص بمكتب العمدة، ثم يتّضِّح أن عينيه مرّتا على سعر السكن حيث تمتم "ماشاءالله"، ثمّ طلب كرت العائلة والهويّة وأخذ صورة لكل منهما، وأخيرا قام بتوقيع المستند الذي ينص على أنّه إثبات للسّكن أعطي لي بناءاً على طلبي دون أدنى مسؤوليّة على العمدة..!!!!!!! وختم بالختم بعد أن أبدى استغرابه من حرصي على المشاركة في انتخابات وضعها "مزرٍ" حسب وصفه. وبدل أن يقل فضولي زاد، بل زاد كثيرا.. لتوضِّح وزارة الشّؤون البلدية و القروية مشكورة: ما هي قيمة تصديق العمدة المستعصي إن كان لا يتحمّل أدنى مسؤوليّة، بل أنّه لم يتأكد من موقع السّكن بأي وسيلة أخرى غير العقد، ولماذا لا يتم الإكتفاء بالعقد الواضح مع إثبات صلة القرابة بالمستأجر إن كان غير النّاخب، فالهدف بالنّهاية يجب أن يكون تسهيل إجراءات التّسجيل عوضا عن تعقيدها بإضافة متطلّبات روتينيّة مضنية بلا قيمة مضافة!.