ما يصدر مؤخرا من أعضاء جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الميدانيين انتهاءً بحادثة الاعتداء على الوافد البريطاني وزوجته هو لأمر مزعج جدا من عدة جوانب. أولها وربما أهمها وأكثرها ثقلا هو انفضاح التناقض الكبير بين ما يفترض أنهم يأمرون به وبين ما يمارسونه. فالأب والذي له الكلمة العليا على أبنائه وبيده الأمر والنهي، لن يحسن صنعا ولن يلقى إجابة أو استجابة من أبنائه إن كان يأمرهم بأمر ويأتي عكسه..! هذا وهو الوالد والمربِي وصاحب الفضل، فما بالكم بأغراب لا فضل لهم على الناس ولا منَة، ولا يعلم من سيرة حاضرهم أو ماضيهم شيئا، ينهون عن ما يرونه منكرا ثمَ يتواطأون على تدليس المحاضر والكذب، وعندما يخضعون للجان التَحقيق، تتباين قصصهم ويبدون وهن خطَتهم، وقد ثبت ذلك في أكثر من قضيَة على إثر مخالفاتهم. كان أوَل ما تسرَب للرأي العام من قصَة الاعتداء على البريطاني وزوجته يفيد بأن أعضاءً من الهيئة هم الجناة، وكأنه كان هناك ما يدل على ذلك إما من مركبتهم في الخارج أو أنهم يضعون بطاقات تعريف أو من خلال تعريفهم بأنفسهم. وما لبث أن تغيَرت القصَة بعد تصريح معالي رئيس الهيئات بتكوين لجنة للتثبت من انتماء الأعضاء للجهاز ومن ثم التَحقيق في حال ثبوت الانتماء، وظهرت زوجة المجني عليه عبر الإعلام لتخبرنا بأنها وزوجها لا يعلمان إن كان الجناة من الهيئة أو لا..!!! وهنا بدا لي أنه في حال كان الجناة منتسبين للهيئة ولم يعلم من يتعامل معهم بذلك ولم يوجد ما يدل على ذلك فتلك مصيبة، أما في حال تغيَرت القصَة في محاولة لدحض الإثباتات حتى تتنصَل الهيئة من التُهمة، فالمصيبة يا معاليك أعظم! ثم ظهر تصوير كاميرات المراقبة الذي كان جليَا فيه تهاون أمن المركز مع الجناة وكأنه لديهم سلطة رسميَة وليس بيد الأمن حيلة، أو يعقل أن يتصرَف مجرَد محتسبين بتلك الثِقة ولا يتمكَن الأمن من حماية الناس منهم وإيقافهم عند حدِهم..؟ تلك فعلا مصيبة.. ولكنَها ليست آخر المصائب، فقد ثبت تورُط أعضاء الهيئة في الاعتداء، عدا عن مباشرتهم أمرا خارجا عن صلاحيَاتهم من الأساس ومخالفتهم لنظام الضبط والتَبليغ وغير ذلك، وبعد كل هذه المخالفات والتي تضمَنت اعتداءً وعنفا جسديا، صدر قرار خفيف الظل بنقلهم تأديبيَا وتكليفهم بعمل إداري. أتعلمون يا سادة ما الأخفُ ظلاً، اعتراض الجناة عليه. صدر قرار إلزام أعضاء الهيئة الميدانيين بارتداء بطاقات التعريف الرسميَة منذ سنة 2005م وأنه في حال عدم ارتداء العضو لها فلا سلطة له على من يستوقفهم، ولم يلتزم أعضاء الهيئة به ولم ينتظروا أن يعطيهم مستوقف سلطة فهم يأخذونها بأيديهم وإن لزم بأرجلهم. وصدر قرار منع المطاردة من عام 2007م وغنيّ عن الذكر أنه أيضا لم يلتزم به الأعضاء، وقرارات أخرى لا يطيق المقال حصرها. إن كان معالي رئيس الهيئات يعلم لماذا هذا الانفلات، فنرجو منه عدم التوقُف عند العلم، فقد ضاق بنا الحال، وإن كان يتساءل فليسمح لي بأن أقول: عقوبات توجيه اللوم والنَقل والعمل الإداري جميعها ليست رادعة ولا تتناسب مع حجم التجاوزات. والحمدلله.