أقبل شهر الرحمة والإحسان والتوبة والغفران والعتق من النيران.. أقبل شهر التضحية والإيثار والرضوان والصبر والصدقة وصلة الأرحام.. أقبل شهر الخير والطاعة والإكرام وحسن الخلق وإحياء الليل بالصلاة والقيام.. أقبل شهر المحبة والتراحم والسلام والتألف والتآخي والوئام.. أقبل شهر رمضان سيد الشهور شهر القران ومدرسة الصيام أيام مباركات لاقتناص الحسنات ونيل أعلى الدرجات بمضاعفة العبادات وشرف عظيم الطاعات.. شهر البر والتطوع والتبرع والجود وأعمال الخير وكثرة الإعلان عن الجمعيات الخيرية من أجل البذل والعطاء لتوفير الدواء والغذاء والكساء ومساعدة الأيتام!! تنهال الرسائل والإيميلات والبرود كاست والبروشورات التي تحمل ارقام الحسابات لتقديم المساعدات للمحتاجين والمحتاجات والمساهمة في علاج المرضى واعداد موائد الصائمين والصائمات!! قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] لست ممن يضيقون ذرعاً من تلك الجمعيات والمؤسسات بل على العكس هم يقومون بدورهم في المجتمع ولكن ما يتبادر إلى الأذهان من أسئلة لماذا ترتبط الصدقة في رمضان بالطعام والشراب؟ ليس فقط على صعيد الجمعيات بل أن هناك مقتدرون كثيرون يقومون بتوزيع سلال رمضانية على الأسر المحتاجه تحتوي على أغذية مختلفة قد تكون بالنسبة لمن قام بتعبئتها كافية ولكنها ليست كذلك بالنسبة للمستفيدين!! فالأذواق تختلف والأصناف قد لا تناسب الجميع!! نعلم جيدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)) وهذا لا يعني أن تكون الصدقة طعاماً نحن على يقين تام بأن أصل الصدقة مأخوذ من الصدق ، وعليه يلزم المتصدق أن يكون صادق النية مخلصاً بما يُقدم من عطاء لوجه الله.. قال تعالي {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] لماذا لا تكون الصدقة نقوداً ويشتري بها الفقراء ما يريدون من أنواع الأطعمة التي يفضلون تناولها؟؟ حتى في الملبس نتصدق بما تكدست به خزائن منازلنا من الملابس القديمة ونتخلص منها بحجة الصدقة؟؟ لماذا لا تكون الصدقة مالاً يشترون به ما يريدونه هم وليس ما نريده نحن؟؟ إن هناك أبواب عديدة للصدقة في رمضان فالفقراء لديهم إحتياجات أخرى غير تلك التي قرر من لديهم المال التبرع بها!! قال تعالى {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60].. في كل مرة تسمح لي الظروف بالإفطار في الحرم المكي أتنفس الأجواء الروحانية وأنا أتامل وجوه المارة و شفافية أرواحهم تعكسها نظرات أعينهم وهم يشاهدون أبناء مكةالمكرمة ينتشرون هنا وهناك ويحملون حبات التمر وقطرات زمزم التي تروى عطش قلوب أحبت الله فأحبها وبذلت النفيس والغالي ليتقبله الله منها.. مشهدٌ يجعل الدمع يلمع في عينيك لا إرداياً وأنت ترى صورا مشرقة لنفوس مسلمة تحكي جانباً رائعاً من الإنسانية التي نفتش عنها داخل الأعماق النقية كلما تنبض أحاسيسنا بالحياة.. إن ثمة صوراً نشاهدها وأحداث نسمعها وتفاصيل نرويها تجعلنا نقف عاجزين عن التفكير بل غير قادرين على التعاطي مع الواقع بشيء من المنطق وكأن الرُقي يحتاج إلى منبه كي يستيقظ!! كثيراً ما توقظنا براءة الطفولة من سُبات عميق كاد يفتك بمشاعرنا.. هذا هو طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره يقف عند بوابة أحد الأسواق ويحمل راحتيه الصغرتين علبة ممتلئة بالعلك الذي يريد أن يبيعه كخيار أمثل عوضاً عن التسول وإراقة ماء الوجه!! " قال لي: يا خالة إشتري إثنتان قلت له شكرا يا ولدي لا أريد شيئاً!! قال لي: الله يخليك اشتري واحدة قلت له يا ولدي ما أحبها!! قال: الله يجوزك إللي تحبيه!! ابتسمت.. أدهشتني فطنته وسرعة بديهته وأعجبني دعاؤه فأشتريت منه كل ما لديه!! وقلت له: هناك ادعية كثيرة لماذا اخترت هذا الدعاء؟؟ أجابني: أمي تقول الحب يعطينا الفلوس!! قلت له كيف؟؟ قال أنتم الأغنياء تحبون الله وتعطونا الفلوس ونحن الفقراء نحب الله ويعطينا الفلوس " قطر: أجمل ما وصلني (عذرا لقلوب أحبتني لا أعلم أهي راضية عني أم ساخطة علي لفعل جهلته أو تقصير تماديت به ) العنوان البريدي: مكةالمكرمة ص. ب 30274 الرمز البريدي: 21955 البريد الإلكتروني: [email protected]