نشرت الصحف المصرية قبل اسابيع ان مجموعة من الفتيات ركبن قاربا صغيرا لم يتحمل وزنهن ومرحهن فغاص بهن في بداية الرحلة وسقطت عشر فتيات منهن في نهر النيل، ذلك النهر الذي لايترك من يغوص فيه خصوصا إن كان من جنس البنات وهكذا استقبل النيل عشر عرائس دفعه واحدة بعد ان كان يكتفي بعروس واحدة كل سنة قبل ان يحرمه منهن امير مصر عمرو بن العاص. وقد امتلأ الناس غيظاً على المراكبي المتسبب في غرق الفتيات خصوصا عندما ذكرت الصحف انه هرب بنفسه وسبح الى بر الامان وشحنت الصحف رأي الناس ضد هذا المراكبي التعيس. ثم ظهرت صورة المراكبي في الصحف فإذا هو شاب صغير يسوقه الى المحكمة اثنان من عمالقة الامن وهو بينهما مثل الفرخة التي يأخذها الفرارجي للذبح وتنتيف الريش. ثم ظهرت التفاصيل في المحاكمة وعرفنا ان المراكبي الشاب رفض حمل البنات جميعا وطلب نقلهن على دفعتين فرفضت المشرفة المرافقة وطلبت ان تشمل الرحلة كل الفتيات وعلى مسؤوليتها الشخصية كما اضافت لثمن الرحلة عدة جنيهات لاغراء المراكبي الذي اعتذر لها متعللا بوفاة احد اقاربه ثم لما بدأ المركب في الغرق لم يلق المراكبي الشاب بنفسه في النيل طلبا للنجاة كما ذكرت الصحف وانما عاد مع اخته واقربائه بقارب آخر وانقذ باقي البنات وقد حكمت المحكمة على المراكبي بعشر سنوات سجن مع الشغل والنفاذ. وقد تذكرت وانا اقرأ هذا الكلام ما ذكره الرحالة الاندلسي ابن جبير في رحلته عن المراكبيه الذين نقلوه من عيذاب (القصير بمصر حاليا) الى القنفذة في رحلة حجه سنة 578 ه ايام صلاح الدين الايوبي فقال : ولاهل عيذاب في الحجاج احكام الطواغيت وذلك انهم يشحنون بهم الجلاب (نوع من السواعي) حتى يجلس بعضهم على بعض وتعود بهم كأنها اقفاص الدجاج المملوءة يحمل اهلها على ذلك الحرص والرغبه على الكراء ويقولون علينا بالالواح وعلى الحجاج بالارواح واعود الى قصة المراكبي لاقول ان الظروف تلقي بالبشر في بعض الاحيان في مصائب ليست من صنع ايديهم وقد تكون عقابا دنيويا لمعصية منسية فقد تنام اثناء القيادة فتدهس طفلاً او تضرب شخصاً كفا خفيفا فيموت بين يديك ولهذا فإن السلف الصالح علمونا قراءة اوراد الصباح واوراد المساء التي تحفظ الانسان بإذن الله من المصائب و الشرور. فلو ان هذا المراكبي الشاب عاد الى بيته وشارك اهله احزان فقيدهم أو لو انه لم يستسلم لطلبات المشرفة فلربما جنب نفسه هذه السنوات العشر التى ستنهي احلام شبابه، ومن المفرح ان الصحف نشرت بعد ذلك موعداً لاعادة المحاكمة ولعلهم يعطون هذا المراكبي الصغير حكما مخففا نظير شهامته ومجهوده في انقاذ بقية البنات.