من الأزمنة ما فضلها الله على غيرها، فجعل العمل الصالح فيها أعظم ثوابا وأجزل أجرا، وهي مواسم للطاعات يستدرك بها العبد ما فاته في غيرها، وما استغلها العبد إلا واستطاع أن يتقرب الى الله، فإذا اقترب منه زال همه، وعرف الطريق الى سعادة لا تزول، وهذه الأزمنة الفاضلة كما هي الأماكن الفاضلة يعرفها الصالحون من عباد الله، الذين همهم رضا الله، ممن لا يأتون من الافعال إلا ما يقربهم إليه، فما يمضي عليهم زمان فاضل كشهر رمضان، إلا وهم قد استغلوا كل لحظة فيه بما يقربهم إلى الله، عملا صالحاً هم فاعلوه دوماً، ولكنهم في الزمن الفاضل أكثر فعلاً له، إيماناً منهم أن ثوابه فيه أعظم، وها هو أفضل الأزمان قد أقبل، شهر رمضان بلغنا الله إياه، ووفقنا لقيام ليله وصوم نهاره، واشغال أوقاتنا فيه بالصلاة والتلاوة والذكر، ذلك أنه الشهر الذي فرض الله علينا فيه الصوم فقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وهو العبادة التي نسبها الله اليه، وأعلن اختصاصه بعظيم ثوابها، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، الى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل إلا الصيام فإنه لي وانا اجزي به، انه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك). فقد استثنى الله الصوم من الاعمال المضاعف أجرها ليشعرنا ان عظيم ثواب الصوم لا حد له، لهذا جعل الصوم نصف الصبر، وقد جعل من قبل الصبر نصف الايمان للدلالة على عظم هذه العبادة، فقد اختص الله الصيام لنفسه من بين اعمال العبد، ليشعر عباده ان اجر الصوم مدخر لهم عند الله، فكل اعمال العبد تكفر بها ذنوب صاحبها، حتى قد لا يبقى له من اجرها شيئا، اما الصوم فأجره باق، وهو العبادة الوحيدة التي لا يدخلها الرياء، فلا علامة ظاهرة عليه، ولا يمكن ان يأتيه العبد امام الناس ويشعرون بفعله له، فهو اخص عبادتنا التي لا يطلع سوى الله عليها، فهنيئا لنا قدوم شهر الصوم واسعدنا بأيامه ولياليه وقربنا فيها اليه انه سميع مجيب الدعوات. ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043