من المفارقات العجيبة أن بعض من يتشدق برعاية مصالح المجتمع والمحافظة على كرامتهم ينسى موقعه ، وينسى كما يقال نفسه ، فيقع دون وعي منه في خضم التناقضات التي لا يستطيع تبريرها ، ومن هؤلاء أصحاب تلك الأقلام التي تسارع إلى انتقاد بعض الأعمال والإجراءات التي تقوم بها بعض الأجهزة الحكومية وبخاصة هيئة الأمر بالمعروف أو الجهات ذات الصلة بالشؤون الإسلامية بصفة عامة . ففي الوقت الذي كانت الدولة بكل أجهزتها تسعى إلى تخفيف ما قد يحدث من آثار للهزات الأرضية في العيص وما حدث من خوف ورعب ليس لأهل العيص وحدهم ولكن لكل مواطن يشعر بحجم الأضرار من مثل هذه الزلازل والبراكين وقد كان كثير من المواطنين لا يخلو دعاؤهم في كل صلاة من أن يجنب الله هذا البلد من الزلازل والمحن والفتن . وقد كتب كثير من أصحاب الأقلام في هذا الشأن كل حسب ما أملاه عليه ضميره ووعيه وحسه الوطني والديني والأخوة الإسلامية . أقول في هذا الوقت بالذات خرجت علينا بعض الأقلام التي كان شغلها الشاغل وهمها الكبير الحديث عن كاميرات الهيئة التي تنوي تركيبها في بعض المجمعات التجارية لمراقبة المعاكسين ، وسكبت هذه الأقلام من الأحبار والأوراق وأهدرت من الأوقات الشيء الكثير وخصصت ذلك كله لتوجيه النقد لهيئة الأمر بالمعروف لكونها تريد استخدام كاميرات في بعض المجمعات التجارية بالرياض لمراقبة المعاكسين . وشنت هذه الأقلام حملة شعواء في هذا الصدد وبالغت في استدعاء الأضرار التي ستحيق بالناس من خلال الاطلاع على ما تنقله هذه الكاميرات وحذرت من مغبة هذا الفعل في كتاباتها وأتت بما لم يأت به مالك في الخمر. وهؤلاء الذين كتبوا لست أدري على ماذا يتخوفون ويمكن الرد عليهم من وجوه على النحو التالي : 1- أن كشف الوجه عندهم أمر مباح ويرون أن تغطيته ليست عبادة بل إن الحجاب كله عادة وليس عبادة فما الغضاضة على هؤلاء من وجود هذه الكاميرات . طالما الوجه مباح كشفه وماذا يضيرهم مراقبة من يمارس المعاكسات في هذه الأسواق . 2- هذه الكاميرات موجودة من السابق لمراقبة ممارسي السرقة فما الفرق بين من يشاهد الحرامية من خلال هذه الكاميرات وبين من يشاهد الذي يريد أن ينتهك شرف المرأة . أم أن المال وسرقة الأغراض أهم من انتهاك الأعراض . 3- لو كان هذا النقد من السابق وطلبوا عدم وجود هذه الكاميرات في جميع الحالات لكان الأمر مقبولاً لأن الهدف هو عدم نقل صورة المتسوقين إلى غرف المراقبة ، ولكن النقد ما كان إلا حين عزمت الهيئة على استخدام هذه الوسيلة . فماذا يعني هذا النقد أليس هو نقداً غير مبرر وغير موضعي . وأن النقد موجه للهيئة وليس للفعل فهؤلاء أحلوا المراقبة من أجل الحفاظ على المال والأغراض وحرموا المراقبة من أجل المحافظة على الأعراض . 4- ما هو الفرق بين رؤية أعضاء الهيئة لهذه الصور المنقولة إليهم وبين رؤيتهم المباشرة للمتسوقين والمعاكسين؟. 5- أن الهيئة حينما تراقب من خلال هذه الكاميرات فإنها في وضع يسمح لها معرفة من يمارس المعاكسة ويحاول انتهاك العرض وبين من يسير محرماً مع المرأة ، فمن يكون محرماً لا يرتكب محظوراً ولن يقم بفعل منافٍ للأخلاق في مكان عام . 6- إن هذه الأقلام تعرت من المصداقية فيما تدعيه في كتاباتها بالسعي للمحافظة على أفراد المجتمع ومصالح العباد والبلاد . بدلالة أنه من خلال انقضاء أكثر من أسبوعين على بداية حدوث الهزات الأرضية في العيص وما حولها فلم تكتب تلك الأقلام حرفاً واحداً عن هذه الهزات أو المشاركة في طرح مقترحات أو خلاف ذلك وبخاصة أن من هذه الأقلام من يهتم بحقوق الإنسان وهذا يثير العجب والدهشة. وهذا القول ليس دفاعاً عن الهيئة أو تبرير لما قامت به فحسبي علمي فقد تم تعيين ناطق رسمي عن الهيئة يقوم بالرد على مثل هذه الأمور ولكن استغرابي ودهشتي هو هذا الهجوم والاستهزاء الذي ورد خلال تلك المقالات حينما نشر أن الهيئة تنوي مراقبة الأسواق عن طريق كاميرات تكشف من خلالها المعاكسين وهذه الكاميرات موجودة في كثير من الأسواق والمحلات التجارية الكبيرة قبل الهيئة لمراقبة حركة المتسوقين الذين يمكن أن يقوموا بالسرقة ، فما وجه الغرابة بين الحالين ، أليس هذا دليلاً على عدم وجود الرضا من قبل حملة هذه الأقلام ومعاداتهم للهيئة بصفة خاصة ولشعيرة الأمر بالمعروف بصفة عامة فهم يريدون نشر الفوضى والتعدي على القيم والأخلاق تحت ذريعة الحرية والحقوق الشخصية . فهم معارضون لأعمال الهيئة وأدائها بغض النظر عن الوسائل التي تتبعها . بدلالة أن بعضهم يطالب بدمجها في وزارات أخرى لأنهم يعتقدون أن ذلك يقلص من صلاحيات الهيئة ويقلل من أدائها . وهذا أمر ما كان يجدر بهؤلاء وهم يعلمون أن مهمة الهيئة هي مهمة الأمة كلها وهي تقوم نيابة عن الأمة بهذه المهمة . ولو تخلى المجتمع عن هذه المهمة لفقد أهم صفة له وهي صفة الخيرية بين الأمم . اللهم أحفظ لهذا البلد أمنه ورخاءه في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية إنك ولي ذلك والقادر عليه. ص 0 ب 9299 جدة 21413- فاكس 6537780 [email protected]