غابت الشمس .. وانسحبت خيوط النهار .. وبدأ الليل في بسط نفوذه .. بدأت قوافل الحنين في مداهمة الانسان واشعال فتيل الأشواق ليكون حريق الجوانح .. وليبدأ الانسان في مصالحة نفسه .. واقامة جسر من التفاهم .. والحوار.. والالتفاف.. ويمتد الليل .. ويسهر الانسان طويلاً .. طويلاً .. فلا شيء يجعلنا نخاصم الليل الجميل.. فنستمر في حصد ملاحم الأحلام.. تلك التي تمنحنا الفيء.. والراحة .. والأمل هذا "السهر" الذي يتوسد الاحداق فيشعل القلب .. والجوانح .. والحنايا .. جاء معنا في هذه الحلقة ليكون الحوار التالي: * سألناه: كيف تنبت أيها السهر في العيون .. كيف تنتشر في كل الدنيا الحافلة بالأشواق؟! ** قال: أنا مثل عود الكبريت أشعل فتيل الحنين ..والذكريات والآمال .. فلا يملك الانسان فراراً مني .. فهو يتواصل معي .. مثلما تحنو النجوم على قمرها لأنها تخاف عليه .. وتستأنس معه .. * سألناه: لكن من أنت بالتحديد ؟! ** قال: مثلما قلت لكم ..فاذا اشعلت مواقد الذكريات فاني أقود الانسان الى الفرح .. أو إلى الحزن . فأما السعادة .. وأما الشعور بالحرمان.. إما الابتسامة ..وإما الدمعة!! * سألناه: فاذا كانت الابتسامة ؟! ** قال: يصبح الليل شموعاً حافلة بأحلى العواطف والآمال.. ويتحول الانسان إلى أهزوجة لا تقدر إلا على المزيد من الآمال بانتظار غد أحلى .. وأبهى .. وأجمل.. * سألناه : وإذا كانت الدمعة ؟! ** قال: عندها يخيم الحرمان على النفس .. يشيع فيها جو العتمة والأسى .. ويتحول الانسان إلى نار تأكل بعضها.. إلى بركان يلتهم حتى نفسه. * سألناه: وما بين الابتسامة والدمعة .. أليس هناك منطقة وسطى؟! ** قال : بلى .. لكن هذه المنطقة أكثر ظلاماً .. وأشد مرارة .. فهل لا تعطي الانسان الأمل .. ولا تبعده عن اليأس.. لا تقوده إلى الأمان.. ولا تؤكد في ذاته الشك .. ولهذا تظل هذه المنطقة الوسطى أشد ظلاماً .. وأكثر احراقاً.. وتدميراً .. * سألناه : لكن ماذا تعطي الانسان مما يزيده ألقاً ..وتوهجاً ؟! ** قال: هذا الشعور العظيم من التفاعل .. والتمازج .. والتوحد فيصبح الانسان قادراً على الابداع .. وعلى الابتكار .. وعلى العطاء .. من رحم الليل جاءت أحلى القصائد .. وأجمل القصص.. وأزهى الأفكار .. قد يفرح الانسان . وقد يبكي ويحزن .. لكن الأهم هو أنه لا يفقد قدرته على العطاء .. وعلى الابداع .. وعلى الابتكار ..لأن الانسان يتواصل بمثل هذه العطاءات .. وبمثل هذه الابداعات.. * سألناه: لكنك أيها "السهر" تأخذ من الانسان قدرته على التثبت والرواء؟! ** قال: أبداً .. هذه كذبة بيضاء أو حمراء .. لافرق .. لكن السهر لم يكن في يوم من الأيام عامل تقويض لحيوية الانسان .. وصفائه .. وابداعه .. أنا دائماً البداية التي يعبرها الناس الى المزيد من التألق .. والازدهاء ..والابتكار. * سألناه : وما أحلى ما قيل عنك؟ ** قال : بيت من الشعر يقول: سهر الشوق في العيون الجميلة حلم آثر الهوى أن يطيله * سألناه: وهل صحيح؟! ** قال: نعم - صحيح جدّاً .. فلا شيء أبهى من سهر الأشواق حين تصبح أرجوحة تنتزع منا الحزن .. والاكتئاب. * سألناه: وأي الاشياء تحب أيها السهر؟! ** قال: البحر .. ان الشواطئ في الليل تملك سحراً جماليّاً لا يقاوم فهي تسترخي لتحضن مياه البحر كأنها العصفورة تحنو على صغارها .. وكأنها اليد الحانية التي تمسح التعب عن الجبهة المثقلة بحبات العرق. * سألناه: وأي الاشياء أقرب إلى نفسك؟! ** قال: الأشواق - فهي النبض الجميل الذي يملأ سلالنا بالخوخ والتفاح.. * سألناه: وماذا اختلف في الانسان اليوم عن الأمس؟! ** قال: أنه اصبح اشد قلقاً .. وأكثر تعجلاً .. وأكبر شغفاً للغد القادم. * سألناه: وأخيراً، ما تقول؟! ** قال: تعالوا نردد مع الشاعر بيته الجميل : ما أطال النوم عمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر كلام متعوب عليه تأتين في تضاعيف الشوق جمرة سخية الإحراق .. مروعة الحنين .. مزدهية بالرواء لتكوني الهامة والتاج معاً !! تطلعين في المساءات النجمة الملتفعة بالبهاء .. لتكون الرحابة الساحة المختالة بحضورك تصنعين من ابتسامتكِ مجداً .. ويصبح الآتي مسكوناً بتلفتك الجميل!! تصبح الكلمات بلا معاني حتى تلكز بها بذكراك فتركض حافلة بالنعيم!! تمدين اليد التي لامست لهبي لتزيده صهداً وعنفوانا.. تطلبين أن يكون الحلم دافئاً أبداً ترتمين الى سواعدي لعلكِ تنعمين بالاتئاد .. وأنتِ الرافلة في بحور التناسي أسقيك هذه العذابات .. لعلها تشكل النار في قلبكِ لتشعري بمن فيه !! أسالك عن نجوانا .. وأحلامنا.. وأغانينا .. أما زلتِ تذكرين أشياءنا الغالية وتمنحينها الحنان ؟! كل هذا الفرح الذي في الدنيا يزفكِ إلى غدي .. الوردة الحافلة بالشذى لا تحرمني الالتفاف .. تعالي .. نزف قلبينا ليصبحا قلباً واحداً .. ينبض بتوقي .. وحنانكِ رؤية في لحظة الفراق .. تحتاج إلى الكثير من التحمل لعواطف الصهد الحافلة بالنار!! غشقة بعض الأشواق تولد دون أن تدري .. فلا تشعر بها الا وقد كبرت.. وترعرعت .. وأورقت.. معنى أجمل ما في الحب .. اننا نغضب وننسى .. ونختلف وننسى.. ونقرر ثم ننسى!! في الصميم ليس هناك منطقة وسطى ما بين الحب .. والوفاء!! اتكاءة كلما شممت العطر .. تذكرت .. أنكَ الأحلى.. والأبهى.. والأروع .. شكوى أشكو اليك أيتها المشاوير صبري .. وتعبي .. وطول انتظاراتي !! أشكو إليك هذا التثاؤب المشلوح على أعتابي بانتظار الذي لا يأتي.. أسألكِ أيتها المشاوير أن تخبئي في صدري هذا الاتساع الكبير الذي يسفحني على الدروب دون سؤال!! دعيني أيتها المشاوير أداول هذا الارتقاء لسأمي ومللي .. حتى لا أموت من الفراغ ! دليني على نوافذ تطل منها الشمس حتى أنقي وسائدي من الدموع! وافتحي الأبواب ليدخل الحب سامقاً .. وينتصر لنفسه رغم كل هذه المسافات .. والمشاوير.. أحلى الكلام شعر / عبد القادر محمود مغربي لو قالوا لي .. ليه تحبه ؟! كنت أقول للي سألني توي أعرف ان شوفك صار ضعيف توي أفهم كيف تساوي الصيف عندك بالخريف توي أعرف أنه ما عند نظر!! من يقاوم طلعة الوجه الصبوح كيف أحاذر رمش من نبله الجروح مستحيل أقدر أقاوم واللي تبغونه محال!! من زمان والقلب يرجف بالوعود هي زينة .. والا شينه .. الله أعلم بالسعود بس خايف وخطوتي ترجف حذر كني شايف في طريقي وسم واعد بالزهر في شروق .. في بروق .. في رعد عقبه مطر في مصابيح تلج في هل كنها في عفة وحفر في أمل براقب يضوي .. شاغل الخفاف يروي يوعد الجدب الخضر.. مستحيل أقدر أقاوم واللي تبغونه محال!! آه يا عمري القصير .. لو تطير لو تلاحق كل فاتك زمان.. لو ترجع بس لقلبي وقته ونبض الأمان ما أخاف.. ما أخاف الحب .. ما أواجه .. ما أجني ما أواطن كل من غير قراره لمجرد شك أو فكر بالخطر ما أتهيب .. ما أتردد .. ما تشاومني الظنون مهما كان المنتظر مستحيل أقدر أقاوم واللي تبغونه محال!!