ترحيب وهدايا    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    مبادرة السعودية الخضراء تُطلق شخصية «نمّور» بهدف إلهام الشباب والأطفال    صندوق الاستثمارات: 600 % طلبات اكتتاب ب «الإسترليني»    مراكز معالجة وتدوير نفايات السفن    الرئيس جيله استقبل وفد اتحاد الغرف.. المملكة وجيبوتي تعززان العلاقات الاقتصادية والاستثمار    رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يستقبل سمو وزير الدفاع    المملكة تدين اقتحام عدد من المسؤولين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأعضاء الكنيست ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصى    تقنية لتصنيع الماس في 15 دقيقة    وزير الدفاع يجري اتصالًا هاتفيًا بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    المنتخب الوطني يلاقي باكستان لتعزيز الصدارة    الأخضر تحت 21 عاماً يواجه المكسيك ضمن بطولة تولون الدولية    السعودية تستضيف بطولة غرب آسيا الثالثة للشباب    الضليمي والمطيري يزفون محمد لعش الزوجية    آل عصفور وآل هوساوي يحتفلون بزفاف الدكتور مؤنس    القصبي أجاب على استفسارات الأعضاء.. "الشورى" يطلع على إنجازات ومبادرات" التجارة"    إعادة كتاب بعد 84 عاماً على استعارته    الحجيلي يحصد جائزة "المعلم المتميز"    سروري مقدما ل " ثلوثية بامحسون "    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    استعرضتها ديوانية الراجحي الثقافية.. المملكة ..خدمات متميزة لضيوف الرحمن    ماء زمزم المبارك يطفئ عطش زوار المسجد النبوي    اكتشاف علاج واعد لسرطان العظام    حذّروا من إضاعتها خلف الأجهزة الإلكترونية.. مختصون ينصحون الطلاب باستثمار الإجازة    أدوية الأمراض المزمنة ضرورية في حقيبة الحاج    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج الدورة (65) من طلبة بكالوريوس العلوم الأمنية والدورة التأهيلية (53) للضباط الجامعيين وطلبة البرنامج الأكاديمي الأمني للابتعاث الخارجي    هند بنت خثيلة والتاريخ!    «ليلةٌ في جاردن سيتي»    المصريون ينثرون إبداعهم في «ليالٍ عربية» ب «أدبي الطائف»    اختبارات أيام زمان !    الفصول الدراسية: فصلان أم ثلاثة.. أيهما الأفضل؟    جمجوم وشعبان يحتفلان بعقد قران عبدالرحمن وليان    «موارد مكة» ينفذ مبادرة «نسك» لاستقبال ضيوف الرحمن بمطار جدة    إيجارات خارجة عن السيطرة !    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    قائد النصر "رونالدو" يفوز بجائزة الأفضل لشهر مايو في دوري روشن    الوزير الجلاجل وقفزات التحول الصحي !    المملكة ترحب باعتراف سلوفينيا بدولة فلسطين    حماية حقوق المؤلف    أمير المدينة المنورة يستقبل رئيس بعثة الحج العُمانية    مانشيني: هدفنا الفوز.. الليلة    المملكة تدشّن فعاليات اليوم العالمي للبيئة بمشاركة محلية ودولية واسعة    أمير تبوك يرعى حفل جائزة فهد بن سلطان للتفوق العلمي    المملكة تدين اقتحام عدد من المسؤولين في حكومة الاحتلال وأعضاء الكنيست ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصى    وزير التجارة: الأنظمة تمنع الاحتكار.. وهناك مؤشرات ستكون معلنة على وكالات السيارات    السديري يدفع ب93 خريجة من «تقنية بنات المجمعة» لسوق العمل    إنقاذ عين وافد بعملية جراحة معقدة    القيادة تهنئ ملك الدنمارك    وزير الاسكان يدشن اول الضواحي بالعاصمة المقدسة    أمير تبوك يكرم الفائزين بجائزة سموه للمزرعة النموذجية في عامها ال ٣٣    ظروف «مروِّعة» في المواصي    فيصل بن فرحان يستقبل نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية العراقي ووزير الخارجية الكويتي    ضبط 9 مخالفين لأنظمة الحج لنقلهم 49 مخالفا ليس لديهم تصريح    السوري «قيس فراج» منفذ الهجوم على السفارة الأمريكية في بيروت    سفير المملكة لدى كوت ديفوار يتفقّد الصالة المخصصة لمبادرة "طريق مكة"    ثغرة أمنية واختراق حسابات شهيرة ب"تيك توك"    النسخة5 من برنامج "جسور" لتأهيل المبتعثين بالولايات المتحدة    تخصيص منزل لأبناء متوفية بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة الأقليةواستبداد الأقليات‎
نشر في عاجل يوم 22 - 07 - 2013

قد يكون مصطلح «الدولة الأقلية» قليل الاستخدام، وفي المقابل يتردد مصطلح (الأقليات)، خصوصاً في أوقات الأزمات والحروب والمشكلات السياسية، كما في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية. ولا يخفى ما قد يمثل بعض الأقليات من عناصر قلق واضطراب قد تصل إلى درجة الخطورة على الأمن والوحدة الاجتماعية والسياسية للدولة، خصوصاً عندما يتم توظيف بعضها من دول أخرى، أو عندما تُضطهد الأكثرية وتًقتل وتحرم من حقوقها بدعوى حماية الأقليات كما هو حاصل في سورية حالياً.
وعند التمعن في الخريطة السياسية للمنطقة الممتدة بين الشمال الأفريقي وجنوب غربي آسيا، نجد أمامنا مجموعة كبيرة من الوحدات السياسية (الدول)، غالبيتها العظمى عربية وإسلامية، فتحاور الدول العربية أو تقع على مسافة غير بعيدة منها دول إسلامية أخرى أبرزها تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان ودول آسيا الوسطى المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق، هذا إلى جانب إسرائيل.
هذا النطاق الجغرافي الممتد بين قارتي آسيا وأفريقيا وعلى التخوم الجنوبية والشرقية لقارة أوروبا، له أهميه حيوية كبيرة من حيث الموقع الجغرافي، ومن حيث تاريخه وكونه مهد الديانات السماوية، علاوة على موارده الاقتصادية خصوصاً النفط والغاز. وفي هذه المنطقة دارت صراعات وحروب متتابعة عبر التاريخ، بل إنها أكثر المناطقة تعرضاً للحروب والصراعات شبه المستمرة خلال السنوات المئة الماضية، وإن حدث فيها استقرار وهدوء، فالفترات أقصر من فترات الصراع والاضطرابات والحروب. بعض هذه الصراعات والحروب ناجم عن تدخلات خارجية وخصوصاً من الدول الغربية وروسيا، وبعضها ناتج من صراعات إقليمية أو محلية، وأخرى نتيجة لصراعات مشتركة ومتداخلة محلية - إقليمية - دولية.
وعند النظر الى الجغرافيا السكانية لهذا النطاق الجغرافي وعلى وجه الخصوص ما يتصل بالتركيب العرقي والديني (المذهبي) واللغوي، فهناك تباين وتعدد وتنوع في الأقليات في كثير من دول المنطقة. فالعالم العربي غالبية سكانه من العرب والناطقين بالعربية، ويدينون بالإسلام (المذهب السنّي)، أما الدول الإسلامية الأخرى غير العربية في المنطقة، فإنها تشارك الدول العربية بسيادة المذهب السنّي مع استثناءات محدودة جداً.
في هذا النطاق هناك دولتان فقط (إسرائيل وإيران) لهما خصائص مختلفة عن خصائص محيطهما الإقليمي الواسع، وهما يمثلان ما يمكن أن نطلق عليه (الدولة الأقلية)، مع الاختلاف بينهما في بعض الجوانب، إلا أن هناك تشابهاً كبيراً بينهما في جوانب أخرى.
وإذا طبقنا العناصر الثلاثة التي تستخدم عادة وعلى نطاق واسع لمفهوم الأقلية وهي: الاقليات الدينية (والمذهبية الدينية) - الاقليات الإثنية أو العرقية - الاقليات اللغوية والثقافية، نجد أن إيران الإسلامية تتخذ من المذهب الشيعي دستوراً وشعاراً، وتُعتبر نفسها المدافع الأول عن حقوق الأقليات الشيعية في العالم، وتسعى الى دعمها، علاوة على تركيزها على نشر المذهب الشيعي في دول أفريقية وآسيوية، وهي تعرف قيمة أو أهمية وجود مثل هذه الأقليات في تلك البلدان. وبالنسبة الى العرق، فالعنصر الفارسي هو المسيطر في إيران، مع إلغاء أو تجاهل العناصر العرقية الأخرى وتهميشها. أما اللغة فهي الفارسية، حتى أن إيران الإسلامية تحتفل بكل المناسبات الفارسية وتتعصب لكل ما له صلة بها.
وفي الجانب الآخر، هناك إسرائيل التي أُنشئت على أساس ديني - عرقي بكل معنى الكلمة، فهي دولة يهودية متطرفة دينياً، وترى أنها خاصة باليهود ديناً وعرقاً... ولغوياً فإن لغتها الرسمية هي العبرية. ومثل إيران التي تدافع عن الشيعة وتدعمهم خارج إطار حدودها السياسية، فإن إسرائيل ترى لنفسها الحق الكامل في الدفاع عن اليهود في أنحاء العالم، وأنها دولتهم، ويهود العالم يقفون معها ويدعمونها، بل يقدمون مصالحها على مصالح الدول التي يحملون جنسياتها.
ولأن الصراع الديني والمذهبي يشكل أبرز الصراعات في المنطقة، وسيبقى كذلك، فإن كلاً من إيران وإسرائيل «دولة أقلية»، ويمكن أن نلحظ ذلك ببساطة عند النظر إلى الكتلة السكانية في المنطقة ككل، فالدولتان تقعان في منطقة يسودها المذهب السنّي، سواء في الدول العربية أو الدول الإسلامية الأخرى، أي أنهما عبارة عن جزيرتين صغيرتين في المحيط الإسلامي السنّي.
وفي حين يتمترس بعض (الاقليات) الدينية والمذهبية والعرقية في بعض الدول، بقوى ودول أخرى خارجية، إما بدعوى حمايتها والدفاع عن حقوقها، أو للحصول على حقوق أكثر وأكبر من وزنها وثقلها السكاني، والأمثلة على ذلك كثيرة... فإن (الدول الأقلية) تتمترس وتتقوى هي الأخرى بالأقليات، لمد نفوذها والحفاظ على حدودها، وحتى لزرع الفتن والاضطرابات والقلاقل في الدول المجاورة لها.
عملت إسرائيل والدول الغربية المساندة لها على دعم الاقليات وتمكينها لتشكل حاجز حماية لحدود إسرائيل كما هي الحال مع الأقلية الحاكمة في سورية، و «حزب الله» في لبنان. ويمثل «حزب الله» اللبناني، والأقلية الحاكمة في سورية أنموذجاً مثالياً لكيفية توظيف كل من إسرائيل وإيران لهما وبما يخدم مصالحهما ونفوذهما الإقليمي، وإضعاف البحر السنّي وإشغاله بإثارة الأمواج العاصفة بين فترة وأخرى لتبقى لهما الهيمنة.
ومن المعلوم أن «حزب الله» أنشئ بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان عام 1982، وقبل قيام الحزب كان الجنوب اللبناني مفتوحاً للمقاومة من كل العناصر على الأراضي اللبنانية سنّة وشيعة وغيرهم، لكن الحزب، بدعوى المقاومة، سيطر ومنع غيره، وقد ساعدت إيران هذا الحزب بكل الوسائل المباشرة أو غير مباشرة من طريق الأقلية الحاكمة في سورية. كما ساهمت إسرائيل بتقوية الحزب سياسياً وربما دعمته معنوياً من طريق تصويره أنه وحده الحزب المقاوم.
بين عامي 1982 و2000 سعت إسرائيل الى إقامة شريط عازل يفصلها ويحميها عن المحيط العربي والسنّي، وكانت دولة سعد حداد وأنطوان لحد. وعندما قوي «حزب الله» وتمكن، انسحبت إسرائيل لأن الحزب أصبح يؤدي ما كانت تقوم به دويلات الشريط العازل، بل شكل الحزب شريط عزل خرسانياً وفولاذياً يصعب اختراقه من غير التابعين له، وأصبح شريط «حزب الله» يمثل دولة أقلية داخل الدولة اللبنانية، واتخذ من المقاومة والممانعة شعاراً صوتياً، يحقق بهما أهدافه وأهداف إيران بطرق مباشرة وأهداف إسرائيل بطرق غير مباشرة. ويكفي اسرائيل أنها أصبحت تعرف مع من تتعامل وكيف تستفيد وتفيد. صحيح أنه وقعت صراعات مسلحة بين الحزب وإسرائيل، لكن بعض الدول قد تتقبل أن تتلقى بعض اللدغات الخفيفة وتبتلع طعماً صغيراً مقابل أن تحقق ما هو أكبر وتبتلع الجمل بمن حمل.
وحتى يبقى شعار الحزب ومبرر وجوده المتمثل في المقاومة وتحرير كل شبر من الأرض المحتلة، وبالتالي استمرار هيمنة «حزب الله» بقوته العسكرية والسياسية داخل لبنان، أبقت إسرائيل على بضعة كيلومترات في مزارع شبعا. هذا جعل البعض يضع فرضية أن «حزب الله» أنشئ ودعم بالتفاهم والتنسيق بين إيران وإسرائيل، ليحمي إسرائيل وينشر فكر إيران، ومثل ذلك فرضية تمكين ضباط الأقلية من الحكم في سورية مقابل تسليم هضبة الجولان الاستراتيجية لإسرائيل، وحماية حدود إسرائيل في ما بعد.
شكلت إيران وإسرائيل كماشة ضاغطة على المحيط العربي والإسلامي السنّي، بل إن إيران الشيعية مذهباً مثلت حاجز فصل قصم ظهر وجسم العالم الإسلامي السنّي الواقع إلى الشرق والممتد حتى إندونيسيا وذلك الواقع إلى الغرب منها والممتد حتى المحيط الأطلسي.
ومثلما تظلل الحكم الطائفي في سورية بحزب البعث العربي الاشتراكي وبالمقاومة والممانعة والصمود والتصدي وأكل وشرب على هذه الشعارات أكثر من خمسين عاماً، يتظلل «حزب الله» بشعار المقاومة والممانعة ويقتات منها.
وبينما كان نظام الشاه حليفاً معلناً لإسرائيل، فإن إيران بعد ثورة الخميني عرفت كيف توظف العاطفة الدينية وتتخذ من تحرير القدس والقضاء على إسرائيل شعاراً، وتأشيرة دخول لتتجاوز حدودها السياسية فكرياً ومذهبياً، خصوصاً في محيطها العربي والإسلامي، وهو شعار لم يتجاوز التهديد والوعيد الصوتي. والواقع أن الدول المجاورة لإيران لحقها من الضرر ومن سكب (سطول الماء) أكثر بكثير مما لحق بإسرائيل أو الدول الغربية، فإيران مثلت مصدراً لبث القلاقل ومحاولة تصدير الثورة وتشجيع الأقليات في كل الدول المحيطة بها، وهي تشارك إسرائيل بإشغال الدول العربية عن التركيز على التنمية.
من المفارقات أن إيران التي عادت وحاربت حزب البعث العراقي، تدعم بقوة حزب البعث السوري، وإيران التي اتخذت من المذهب الشيعي دستوراً بحكم أنه المذهب السائد فيها، تنكر على غيرها أن يتبنى المذهب السائد فيه... ودولة العراق التي اجتثت البعث العراقي تدعم البعث السوري، ولا تخفى الغاية ولا يخفى الهدف.
والعالم العربي الذي كان في القرن الماضي ضحية للحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي، أصبح في العقد الأخير بين كماشتي (فيتو) القوتين العظميين، فمن فيتو أميركي مطلق يحمي إسرائيل إلى فيتو روسي يحمي من يحمي حدود إسرائيل، وكأن هناك تبادل أدوار بين أميركا وروسيا، فالهدف في النهاية واحد.
محمد الربدي
* أكاديمي سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.